وأبرز هذا اللقاء، الذي نظم برعاية "مؤسسة الحكامة الشاملة والسيادة" (Global Governance & Sovereignty Foundation)، ضمن سياق دولي يتسم بتحولات عميقة وتحديات أمنية متنامية، قدرة المملكة على توحيد تفكير استراتيجي رفيع المستوى.
واستكشف المنتدى، المتمحور حول ثلاث موائدة مستديرة موضوعاتية، المحاور الكبرى التي تحدد حاليا المبادرات الاستراتيجية للمملكة، حيث مكنت الجلسة الأولى، التي خصصت لتطوير صناعة دفاع سيادية، من تحليل التقدم الملحوظ الذي حققه المغرب في هذا المجال الحاسم وتسليط الضوء على كيفية استجابة بروز منظومة صناعية وتكنولوجية وطنية لطموحات السيادة التي حددها صاحب الجلالة الملك محمد السادس.
كما سلط البعد الأطلسي للاستراتيجية المغربية، الذي شكل موضوع المائدة المستديرة الثانية، الضوء على التموقع الفريد للمملكة كصلة وصل بين أوروبا وإفريقيا والواجهة الأطلسية، إذ أبرزت المناقشات كيف أن هذا الموقع الجيوستراتيجي، المعزز ببنيات تحتية طلائعية من قبيل مشروع أنبوب الغاز الأطلسي- الإفريقي، يجعل من المغرب فاعلا رئيسيا في الأمن الاقتصادي والبحري الإقليمي.
أما الجلسة الثالثة، التي خصصت لدور مراكز البحث ووسائل الإعلام، فقد أكدت نضج النقاش الاستراتيجي الوطني، مبرزة الانخراط المتزايد لمجموعات التفكير والجامعات ووسائل الإعلام في تحليل الرهانات الاستراتيجية والدفاعية، مما يعكس انبثاق اهتمام حقيقي بالموضوع في المغرب.
وفي تصريح للصحافة، نوه رئيس مؤسسة الحكامة الشاملة والسيادة، علي موطيب، بتنظيم هذا المنتدى الذي يجسد المكانة المهمة للغاية والاستراتيجية للمغرب، في ظل الرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، مسجلا أن المملكة تتموقع اليوم كقطب للاستقرار.
وأشار إلى أن تنظيم هذا اللقاء يأتي في سياق جيو-سياسي خاص، تبرز معه أهمية التئام خبراء مرموقين وأساتذة جامعيين ومتخصصين في صناعة الدفاع لمناقشة الرهانات الاستراتيجية التي تهم المغرب اليوم.
ولفت، في هذا الصدد، إلى أن هذا المنتدى يتطرق إلى ثلاث قضايا أساسية تهم صناعة الدفاع السيادية، والرؤية الأطلسية والإفريقية للمملكة، ودور المجتمع المدني ووسائل الإعلام ومراكز التفكير والأساتذة الجامعيين في تطوير ثقافة الاستراتيجية والدفاع.
من جهته، أبرز العقيد أرسين إمفاهو، ملحق الدفاع لدى سفارة الغابون بالبنلوكس، دور المغرب كقاطرة وفاعل رائد على مستوى القارة الإفريقية بأكملها.
وذكر، بهذه المناسبة، بالخطاب "الاستثنائي" الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس أمام القمة الثامنة والعشرين للاتحاد الإفريقي في 31 يناير 2017 بأديس أبابا، والذي كان بمثابة تذكير تاريخي بالمكانة والطموح المسؤول والراسخ والأخوي للمملكة المغربية داخل المجتمع الإفريقي.
وأشاد، في هذا الصدد، بهذه الريادة المستنيرة وبالرؤية السياسية اللازمة على المدى الطويل للمضي قدما بثبات في مختلف المجالات، مسلطا الضوء على البعد الاستراتيجي لهذا المنتدى في قضايا الدفاع والأمن.
من جانبه، قال الأستاذ والمحلل في مجال الدفاع والأمن، نزار الدردابي، إن المنتدى يتمحور حول جيوسياسة الدفاع والأمن في المغرب، مع كل الرهانات المتعلقة بهذين المجالين السياديين.
وأبرز أن هذا اللقاء يسلط الضوء على مواضيع جوهرية، لا سيما الصناعة الدفاعية بالمغرب، الورش الذي أطلقه جلالة الملك سنة 2020، مع صدور القانون رقم 20-10 الذي أرسى أسس صناعة الدفاع العسكري المستقبلية.
وأشار إلى أن المغرب يتوفر على خبرة مشهودة في مجال صناعة السيارات والطائرات، موضحا أن ورش الدفاع الجديد هذا يتميز بخصوصيات مختلفة، لكونه يقوم على تكنولوجيا متطورة وذات قيمة مضافة عالية وعلى اعتبارات الخصوصية.
وأضاف أن هذا اللقاء الذي جمع ثلة من الخبراء من مختلف المشارب، بالإضافة إلى عسكريين وخبراء دفاع وجامعيين ومقاولات بالقطاع الخاص، كان مثمرا من حيث السعي إلى طرح التحديات المستقبلية لهذه الصناعة، مع اقتراح حلول وأفكار جديدة في شؤون الدفاع والأمن.
وشكل هذا المنتدى، الذي جمع جملة من الأطراف الفاعلة، فرصة لتعزيز النقاش المثمر والتفكير المعمق والتعاون الشامل حول التحديات الراهنة والمستقبلية التي يواجهها المغرب.
كما تم التركيز خلال هذا اللقاء على المبادرات المغربية في مجال تطوير الصناعة الدفاعية الوطنية، والدور الجيوستراتيجي الذي يضطلع به المغرب، وكذا موقعه كقطب للاستقرار الإقليمي، فضلا عن الخبرة المغربية في مجال تدبير الأزمات وحفظ السلام.
ويؤكد نجاح هذه النسخة الافتتاحية طموح منتدى "DefSec Morocco" إلى أن يصبح موعدا سنويا لا محيد عنه بالنسبة للفاعلين الاستراتيجيين على الصعيدين الوطني والدولي.