هذا الفوز الذي حققته الكتاني، وهي بعد في سن العاشرة، بدا مستحقا بالنظر إلى حالة الإعجاب والانبهار التي رسمتها على وجوه لجنة تحكيم الدورة وجمهور المثقفين والإعلاميين من مختلف الدول الذين ضاقت بهم جنبات مسرح مركز (إثراء)، وعكستها التصفيقات الحارة التي تخللت العرض البصري الذي قدمته أمامهم وكان عبارة عن قراءة في موسوعة "الكون وما وراءه" التي تعرض لمعلومات غنية عن الكون وريادة الفضاء.
كمثل فراشة صغيرة تسبح في كون الله الوسيع، ائتلقت الكتاني في الحفل الختامي لمسابقة "أقرأ" بمركز (إثراء) وهي ترفرف مرتدية فستانا أبيض زاهيا وشريطا أحمر يزين شعرها، وعنقها متشح بشال يحمل على يساره شعار مسابقة "أقرأ" بينما يصطبغ يمينه بالعلم المغربي الأحمر الذي تتوسط نجمة خضراء.
الإعجاب الذي حققته الكتاني في هذا الحفل الذي تم نقل فعالياته للعالم مباشرة على مواقع التواصل الاجتماعي ل(إثراء)، كان مرده أساسا إلى الثقة العالية التي كانت تتحرك بها على المسرح، وهي تنقر على جهاز التحكم للانتقال من شريحة إلى أخرى في العرض البصري الذي قدمته بلغة عربية سليمة، مسافرة بالجمهور في عوالم الكون تشرح لهم أسرار بداياته ومفاهيم كبرى من قبيل "الانفجار الكبير" و"السنة الضوئية" و"الثقوب السوداء".
هذا الأداء المبهر هو ما حدا بعضو لجنة التحكيم، رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، سلطان النعيمي، إلى التعليق على عرض فاطمة بالقول إنه يعكس وجود "مواهب مبشرة بمستقبل واعد"، فيما علقت زميلته في اللجنة، الشاعرة السودانية، روضة الحاج، بالقول لفاطمة "عرض مدهش، وتمتلكين حضورا عاليا وثقة عالية في النفس" قبل أن تضيف "أنت قدوة حسنة للكثير من الفتيات. لك التحية وأنت تتحدثين بهذه اللغة وهذه النصاعة وهذا الجمال (..). شكرا للمغرب الجميل الذي منحنا فاطمة".
كيف لم تشعر فاطمة بالرهبة وهي تقف على ركح المسرح قبالة أعضاء لجنة التحكيم، وقبالة فائزين بجائزة نوبل للآداب هما عبد الرزاق قرنح (2021)، وأولغا توكارتشوك (2018)، وجمهرة من مجموعة واسعة من الكتاب والأدباء والقراء في العالم العربي؟ تجيب فاطمة في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، بنبرة حازمة "هذه موهبة وهبني الله إياها، وصقلتها بالتمرن. فإن كنت موهوبة ولم أتدرب، لم أكن لأصل إلى هذه المرحلة". وتضيف "عندما دخلت على الجمهور، رأيتهم يصفقون لي من أعماق قلوبهم. وكان هذا دافعي لأكمل عرضي بطريقة فصيحة وبطلاقة".
أما كيف استطاعت أن تقتحم غمار موسوعة يزيد عدد صفحاتها عن ال300 صفحة، وتستعرض معلومات عن موضوع معقد مثل نشأة الكون وتطوره ومعادلاته الرياضية، وتسبح في مجراته وهي بعد فراشة صغيرة، فإن الأمر بالنسبة لفاطمة لا ينطوي على أي صعوبة. تقول في هذا الصدد "في الحقيقة، إنه أمر سهل بالنسبة لي، لأني أحب مجال العلوم، أحب الذكاء الاصطناعي، وأحب الفضاء، وقرأت العديد من الكتب عنه قبل هذا الكتاب، ولا أجد أي صعوبة في ذلك".
وإذا كان لكل شيء بداية، فإن بداية فاطمة مع القراءة كانت في سن الرابعة، وذلك -بحسب قولها- "بتحد غير مقصود من والدي حين اشترى لي كتابا عن السيرة النبوية وقرأ لي أول صفحة منه ووعدني بإكماله"، قبل أن تضيف "كانت أول صفحة منه جميلة، وكان دافعي الفضول لكي أكمله. تهجيته حرفا حرفا، وبمساعدة أمي، أتممته في أربعة أشهر ونصف الشهر".
وعلى هذا، فإن دور الوالدين كان حاسما في توجيه فاطمة، وهي من أبناء الجالية المغربية المقيمة في السعودية، من أم سورية وأب مغربي.
تقول والدتها سناء محمد خير صادقة، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن "والدها الطبيب عمار الكتاني قارئ نهم نقل لها جينات القراءة، وأنا أمها أحب العلوم. وحين تم الجمع بين هذين الأمرين، كانت الثمرة هي فاطمة".
وتضيف سناء أن فاطمة "شغوفة جدا بالقراءة، وتقرأ منذ سنة الرابعة. يعجبها جو المكتبات. وقرأت لحد الآن ما يقارب 300 كتاب في جميع المجالات من الفلسفة إلى بناء الذات مرورا بالطب والفيزياء، وكل ذلك تحت رقابة أبوية".
في عرضها البصري الذي أهلها للفوز بجائزة "القارئ الواعد"، في مسابقة تقدم لها أزيد من 106 آلاف مترشح من كل أنحاء العالم العربي، وبلغ عشرة منهم فقط مرحلة التصفيات النهائية، اختتمت فاطمة حديثها بعبارة تعرف فيها بنفسها تقول "كانت معكم القارئة الصغيرة ورائدة الفضاء المستقبلية فاطمة عمار الكتاني"، كاشفة عن رغبتها في أن تصير رائدة فضاء.
وعن مرد هذا الحلم قالت فاطمة في حديثها للوكالة "عندما أقرأ عن الفضاء، أشعر بالفضول لاكتشاف المناطق المظلمة التي لم يتم اكتشافها بعد. هذا الفضول هو ما يدفعني لأكون عالمة فلك أو رائدة فضاء".
هل لفاطمة رسالة تحرض على إيصالها لأطفال العالم. "نعم" تقول، وتضيف "إلى جميع الأطفال: أحبوا القراءة. القراءة ممتعة جدا. القراءة هي سفينة تنقلنا في بحر يسمى بحر العلوم. كلما قرأتم واطلعتم ستصلون إلى نتيجة رائعة. اقرؤوا، فالجيل الذي يقرأ لا يهزم".