وقال حمودان الذي حل مساء أمس الأربعاء، ضيفا على الغرفة المضيئة لبيت الشعر في المغرب، في إطار الدورة السادسة للقاءات الرباط للفوتوغرافيا، صحيح إن أشعاره وكتاباته تستحضر شعراء وكتابا آخرين عربا وأجانب، لكن "الكتابة ليست إعادة إنتاج بقدر ما هي هدم وإعادة بناء، وهكذا أرى العملية الإبداعية".
"أتعامل مع النصوص الأخرى انطلاقا من تجربتي في الحياة باعتباري مهاجرا وأعيش في بلد غير بلدي ولي خلفياتي السياسية والأيديولوجية"، يقول حمودان في تفاعله مع أسئلة الشاعر والمترجم منير السرحاني الذي قدم اللقاء، مضيفا أن استحضاره للآخرين في أشعاره لا يكون مرتبا له وإنما يأتي عفو الخاطر.
ومن جهة أخرى، قال حمودان إن ما يحرص عليه في أعماله هو أن تكون الجمل التي يوظفها واضحة وليست مغرقة في التجريد. ويوضح "أشتغل بشكل مستمر ودؤوب على اللغة وعلى الإيقاع الموسيقي لما أكتب".
وعن فعل الترجمة الأدبية الذي يحترفه، يقول حمودان إن "هناك نصوصا هي التي تدعوك لأن ترجمتها. وواجب المترجم هو الحفاظ على معنى النص وإيقاعه الموسيقي".
ويشدد حمودان على أن للشاعر "مسؤولية جمالية وأدبية وسياسية أيضا" تجاه قضايا المجتمع، إلا أنه ليست له قضية معينة يدافع عنها ويترافع عنها من خلال أعماله الأدبية. "صحيح أنني أتموقع سياسيا باعتباري مواطنا، ولكني لا أدافع عن هذا التموقع عبر الشعر".
وفي تفاعله مع سؤال حول اختياره اللغة الفرنسية كلغة كتابة عوضا عن العربية، يقول حمودان، إن الأمر يتعلق أساسا بمسألة التلقي، ذلك أن هناك طابوهات يجد نفسه مدعوا لتناولها بلغة موليير، نافيا في الوقت ذاته أن تكون اللغة العربية عاجزة عن التعبير، "كما أنني لا أستبعد أن أكتب بها مستقبلا".
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء بالمناسبة، قال رئيس بيت الشعر في المغرب، مراد القادري، إن استضافة الشاعر حمودان في الغرفة المضيئة تأتي بالنظر إلى أنه يعد أحد أهم الأصوات الإبداعية اليوم في المشهد الثقافي المغربي على اعتبار أنه يراكم، منذ تسعينيات القرن الماضي، "تجربة إبداعية ثرية سواء على مستوى الكتابة الشعرية او النثرية".
وأضاف القادري أن هذه الاستضافة إنما تندرج ضمن رؤية رحبة وواسعة لا تحصر الإبداع المغربي فقط في ما يكتب باللغة العربية، وإنما تنفتح على الروافد المتنوعة التي يكتب بها إبداعنا المغربي اليوم شعرا ونثرا، سواء تعلق الأمر باللغة الأمازيغية أو الحسانية، وكذا باللغات الأجنبية، ولاسيما منها الفرنسية.
وأبرز في هذا الإطار أن المغاربة يمتلكون باعا كبيرا في التأليف بلغة موليير، واستطاعوا أن يكتبوا بها ويظل أدبهم، مع ذلك، أدبا مغربيا صرفا بأجوائه ومناخاته ومتخيله واستعاراته، معتبرا أن كتابات حمودان هي من هذا النوع، فهو يكتب "كتابة عميقة تغوض في الحياة المغربية. ويكتب عن الهجرة والإقامة بين ثقافتين وهويتين. وله الكثير من الجرأة والقدرة على إبداع لغة مغايرة ومختلفة ومفارقة حيث الكلمة لا تحظى فقط بمعناها الاصطلاحي، وإنما تحتمل معاني ودلالات جديدة".
يذكر أن الشاعر والروائي محمد حمودان من مواليد قرية المعازيز نواحي الخميسات سنة 1968، وهاجر إلى فرنسا سنة 1989. ومن بين أهم مؤلفات الشاعر محمد حمودان "أن تصير"، و"ميكانيكا بيضاء"، و"فرنش دريم" (حلم فرنسي)، و"أبعد من دائما".
يشار إلى أن برنامج "في الغرفة المضيئة" هو ثمرة تعاون ثقافي وشعري وفني بين بيت الشعر في المغرب والجمعية المغربية للفن الفوتوغرافي. وسبق للغرفة المضيفة أن استضافت في السنة الماضية كلا من الشاعرين عبد الحميد اجماهري وصلاح الوديع والشاعرة عائشة بلعربي.