وتجسد تكريس هذا الدور الرائد، الذي يضطلع به المغرب على أعلى مستوى في الدولة من أجل تحقيق استقرار القارة وازدهارها، بشكل خاص، من خلال انعقاد حدثين هامين: تنظيم قمة الأعمال الأمريكية الإفريقية في المغرب (19-22 يوليوز)، والمشاركة الفاعلة في قمة قادة الولايات المتحدة وإفريقيا، المنعقدة بواشنطن (13-15 دجنبر).
وبالنسبة للمحللين، يعكس هذان الحدثان تشبث المملكة القوي، تحت القيادة المستنيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، بانتمائها الطبيعي إلى إفريقيا والتزامها الراسخ بدعم الاستقرار والتنمية المستدامة للقارة.
كما سلطا الضوء على الآفاق المهمة والواعدة للشراكة القائمة بين إفريقيا والولايات المتحدة في مجالات التجارة والاستثمار والأعمال، من خلال البناء على ما حققته اتفاقية التجارة الحرة الموقعة في عام 2004 بين الرباط وواشنطن، في أفق إقامة شراكة شاملة ودائمة، وأيضا تعزيز البرامج الأمريكية الموجهة نحو دعم التنمية الاقتصادية في إفريقيا، مثل مؤسسة تحدي الألفية.
في هذا الصدد، أكد آلان إبوبيسي، المدير العام ل "أفريكا 50"، وهي منصة استثمار في البنى التحتية في إفريقيا، أن المغرب يعد "رائدا كبيرا" في القارة حيث يعمل على تطوير علاقات "مهمة" مع العديد من البلدان.
وقال إيبوبيسي، في تصريح صحفي على هامش قمة قادة إفريقيا والولايات المتحدة، إن "المغرب يتمتع، تحت القيادة المستنيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، بريادة كبيرة في إفريقيا من خلال علاقاته الهامة" مع العديد من الدول.
إذ أن الشراكة المندمجة والشاملة بين المغرب وإفريقيا والولايات المتحدة توجد في صلب أولويات المملكة، كما أكد ذلك رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، الذي مثل صاحب الجلالة في أشغال هذه القمة التي احتضنتها العاصمة الفيدرالية الأمريكية.
وفي معرض تذكيره بأن الولايات المتحدة تظل "شريكا متميزا" للقارة الإفريقية، أبرز السيد أخنوش أن المغرب يضع تجاربه وخبراته لفائدة تعزيز الشراكة الاقتصادية والتجارية بين إفريقيا والولايات المتحدة.
في هذا السياق، تتجلى مساهمة المغرب في تعميق العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين من خلال العديد من المؤهلات، لا سيما الموقع الجغرافي المتميز للمملكة، باعتبارها صلة وصل بين أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا، وبنياتها التحتية التي تستجيب للمعايير الدولية ومواردها البشرية الشابة والمؤهلة بفضل تكوينات عالية وذات جودة.
كما أن القرب من الأسواق الأوروبية والأمريكية، والمشاريع الهيكلية في مجال الطاقة الشمسية والريحية، فضلا عن ميثاق الاستثمار الجديد الذي يتمتع بنظام جذاب ومحفز، تعد إمكانات ومؤهلات تحظى بها المملكة في هذه المعادلة لتعزيز شراكة رابح-رابح التي من شأنها أن تستفيد أيضا من المزايا والإمكانات التي توفرها منطقة التجارة الحرة الإفريقية لمواصلة تطوير الأنشطة على مستوى القارة، وكذلك في إطار عمل مشترك لصالح الأمن الطاقي الذي يوفره مشروع خط أنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا.
هذا المشروع يطمح إلى نقل أكثر من 8 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي عبر المنطقة، مما سيحفز إنتاج الكهرباء ويسهم في تحسين الولوج إلى الطاقة في البلدان التي يعبرها المشروع، مما يساهم، بدوره، في تأمين مستقبل الطاقة العالمي.
ففي مراكش كما في واشنطن، يسلط المغرب الضوء على التعاون الممتاز القائم بين الرباط وواشنطن في مختلف المجالات، لا سيما في إطار اتفاقية التجارة الحرة، وكذلك استراتيجيته الإفريقية المثمرة التي يرعاها ويشجعها جلالة الملك.
ولقرن القول بالفعل، فإن المملكة تعد مستثمرا رئيسيا في إفريقيا، وتشكل قطبا للمواهب والتمويل والابتكار في القارة.
خلال قمة القادة في واشنطن، التي انعقدت برعاية الرئيس الأمريكي، جو بايدن، استعرض المغرب نجاحاته وجدد التزامه بالاستفادة من إنجازاته لجذب المزيد من المستثمرين إلى البلاد ولكن أيضا لصالح القارة برمتها، لاسيما في مجالين استراتيجيين يتمثلان في الأمن الغذائي والاستقلال الطاقي.
وهكذا تم تسليط الضوء على الإمكانات الكبيرة للمملكة في القطاع الفلاحي، لا سيما في ما يتعلق بالأسمدة في هذه الفترة الصعبة، كما تم استعراض مؤهلات المغرب في قطاعي الانتقال الطاقي والطاقات الخضراء.
وبالنسبة للممثلة التجارية للولايات المتحدة، كاثرين تاي، فإن الولايات المتحدة "جد فخورة" باتفاق التجارة الحرة مع المغرب، إذ أبرزت أهمية مواصلة تطوير هذه الشراكة في ظل التحديات العالمية الجديدة، لاسيما إزالة الكربون من الاقتصادات، والرقمنة.
ومن خلال التزامه التام بجعل صوت القارة مسموعا وإرساء ريادتها في المحافل الدولية، يدعو المغرب إلى دينامية للتنمية والشراكة، مستدامة وشاملة، تضع العنصر البشري في صلب أولوياتها، يتمثل طموحه في ذلك في إرساء الدولة الاجتماعية، باعتبارها ضرورة حتمية لتجاوز تداعيات جائحة كوفيد والأزمات المتتالية التي يشهدها العالم اليوم.