وفي هذا الصدد، ظهرت نماذج جديدة من أجل تغيير الرؤية الشاملة في مجال الاستثمار بالمملكة، مع هدف نهائي يتمثل في إرساء إطار أكثر جاذبية وتنافسية، مدر لفرص الشغل وللثروة، وذلك من خلال ميثاق جديد للاستثمار يعد ببث دينامية جديدة في مجال الأعمال، محلية كانت أم أجنبية، فضلا عن تحفيز الاستثمار الخاص.
+ اهتمام ملكي وتعبئة جماعية +
يحظى موضوع الاستثمار ببالغ اهتمام صاحب الجلالة الملك محمد السادس، حيث دعا جلالته في خطابه السامي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة، إلى ضرورة تعبئة جميع المؤسسات والفاعلين بالقطاع الخاص، والتحلي بروح المسؤولية، للنهوض بالاستثمار، الذي يظل قطاعا مصيريا لتقدم المملكة.
ولتحقيق الأهداف المنشودة، حث جلالة الملك الحكومة، بتعاون مع القطاع الخاص والبنكي، على ترجمة التزامات كل طرف في "تعاقد وطني للاستثمار"، يهدف إلى تعبئة 550 مليار درهم من الاستثمارات، وخلق 500 ألف منصب شغل، في الفترة بين 2022 و2026.
وبرأي العديد من المحللين، فإن هذه المبادرة قابلة للتحقق بفضل التعاون التام بين القطاعين العام والخاص.
وكانت الحكومة قد أطلقت "صندوق محمد السادس للاستثمار" سنة 2020 تنفيذا للتعليمات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.
ومن المنتظر أن يمول الصندوق المشاريع الاستثمارية الكبرى في إطار شراكات مع القطاع الخاص، كما سيدخل في رأسمال المقاولات الصغرى والمتوسطة، وسيمنح القروض للمقاولات النشيطة في القطاعات ذات المردودية العالية، وفقا لبيانات إنشائه.
وأكد الوزير المنتدب المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية، محسن الجزولي، أن هذا الصندوق سيلعب دورا أساسيا في تحفيز الاستثمار الخاص لرفع حصته من إجمالي الاقتصاد إلى الثلثين، مقابل الثلث حاليا، مشيرا إلى أن ذلك سيتحقق بفضل الميثاق الجديد للاستثمار الذي يتيح حوافز مالية وضريبية لشركات القطاع الخاص.
وتجدر الإشارة إلى أن مجلس النواب صادق في أكتوبر الماضي على مشروع قانون – إطار رقم 03.22 بمثابة ميثاق الاستثمار، الذي يتوخى تحقيق ثمانية أهداف تتمثل في إحداث مناصب شغل قارة، وتقليص الفوارق بين أقاليم وعمالات المملكة في جذب الاستثمارات، ثم توجيه الاستثمار نحو القطاعات ذات الأولوية ومهن المستقبل، بالإضافة إلى تحسين مناخ الأعمال وتسهيل عملية الاستثمار، وكذا تعزيز جاذبية المملكة من أجل جعلها قطبا قاريا ودوليا للاستثمارات الأجنبية المباشرة، ثم تشجيع الصادرات وتواجد المقاولات المغربية على الصعيد الدولي وتشجيع تعويض الواردات بالإنتاج المحلي.
+ جهود حثيثة من أجل دعم الجاذبية +
تحقق فرص الأعمال والاستثمار بالمغرب نموا مطردا من خلال استهداف قطاعات استراتيجية وحيوية، باعتبارها ضمانات للسيادة الغذائية والصيدلانية والصحية.
وقد أدى الانتعاش الاقتصادي ما بعد فترة كوفيد إلى خلق دينامية محلية جديدة محفزة للاستثمارات ومدرة لفرص العمل. ومن المرتقب أن يعزز هذا الانتعاش المكانة الأساسية التي تحظى بها المملكة على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
والواقع أنه لا يزال يتعين على المغرب الاستفادة من التغيير الحاصل على مستوى النظام العالمي ودينامية التوطين اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ من أجل ترسيخ مكانته كوجهة مفضلة للاستثمارات الأجنبية، وذلك على وجه الخصوص بفضل استقراره المالي ومختلف الإصلاحات الجارية والجهود المبذولة لتحسين مناخ الأعمال.
وفي هذا الصدد، تشير لوحة القيادة الاستراتيجية الأخيرة، التي أعدها المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية حول تطور تموقع المغرب على الصعيد الدولي (النسخة العاشرة)، إلى تحسن كبير في تموقع المغرب دوليا، لا سيما في ما يتعلق بمؤشر "أفضل الدول لمزاولة الأعمال التجارية"، حيث كسب المغرب 35 مرتبة خلال الفترة الممتدة من سنة 2007 إلى سنة 2019، وذلك بفضل الجهود التي تبذلها المملكة من أجل تحسين المناخ العام للأعمال.
وفي هذه النسخة الصادرة في أكتوبر الماضي، يسلط المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية الضوء أيضا على التحسن الملموس في تموقع المغرب على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (مينا)، من حيث جاذبية الاستثمار.
واستنادا إلى "المؤشر العالمي لريادة الأعمال"، تكشف لوحة القيادة عن تحسن تموقع المغرب، حيث احتل المرتبة الخامسة في القارة الإفريقية.
وأوضح المعهد أن "هذا الترتيب يعزى إلى قدرة المغرب على تطوير منتجات جديدة، وتشجيع بروز الشركات الناشئة وإدماج استخدام التكنولوجيات الحديثة"، مؤكدا في المقابل أنه لا يزال يتعين بذل المزيد من الجهود بغية تكوين الرأسمال البشري وتزويده بمهارات ريادة الأعمال، فضلا عن تعزيز التنافسية وتسويق المنتجات المغربية دوليا.
بفضل تفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار وتنفيذ قانون المالية لسنة 2023، الذي يعطي مكانة هامة للاستثمار الخاص، سيرسي المغرب أسس مخطط عمله في مجال النهوض بالاستثمارات خلال السنة المقبلة.