ولعل من أبرز المعيقات التي تعترض الإنتاج السينمائي الإفريقي، مشكل التمويل الذي يحول دون تقديم إفريقيا إلى العالم بعيون مبدعيها دون الاضطرار إلى الاستفادة من تمويلات من خارج القارة بما يجعلها تابعة للجهات القائمة عليها ومتأثرة بخلفياتهم الأيديولوجية والسياسية أيضا.
سؤال تمويل الإنتاج السينمائي الإفريقي وعلاقته بالاستقلالية عن صناديق الدعم الأجنبية من خارج القارة حضر بقوة في فعاليات هذه الدورة المنظمة من 28 ماي إلى 4 يونيو المقبل، حيث تعددت الأصوات الداعية إلى أن لا يرتهن السينمائيون الأفارقة لتوجهات الجهات المانحة، فيكيفوا سيناريوهات أفلامهم بالشكل الذي يراعي توجهاتها ويضمن استفادتهم من دعمها.
رئيس مؤسسة مهرجان خريبكة السينمائي، السيد الحبيب المالكي، لفت بشكل صريح إلى هذه القضية في كلمته خلال افتتاح هذه الدورة، وهو يتحدث عن قدرة السينما على إثراء الثقافة الإفريقية وتقديمها إلى العالم من خلال، وبواسطة، المبدعين الأفارقة من حيث السيناريو والإخراج والإنتاج، لتساهم بالتالي في التطوير السياسي وتعزيز المشاركة في الشأن العام.
واعتبر السيد المالكي في هذا الصدد أن سؤال التمويل والإمكانيات والاحتضان للأعمال السينمائية سيكون مطروحا "خاصة إذا نحن توخينا إنتاجا سينمائيا حرا ومستقلا، برسائل متوجهة إلى المستقبل، وقادرة على مواجهة الهيمنة الثقافية الأجنبية".
وفي ما يبدو أنها فكرة يتفق معها العديد من الفاعلين السينمائيين بالقارة، قال المخرج والناقد السينمائي، عبد الإله الجوهري، إن المبدعين الأفارقة يجدون فعلا الكثير من العنت لتمويل إنتاج أفلامهم على مستوى دولهم، ولذلك يلجؤون إلى الصناديق الغربية التي، وبحسب قوله، "لا يمكن أن تمول فيلما إفريقيا دون إملاء شروط".
واعتبر الجوهري في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن المطلوب اليوم هو دعم إنتاج أفلام محلية أصيلة تمكن السينمائيين الأفارقة من إعطاء الصورة الحقيقية للقارة في أعمالهم، "عوض تقديم أفلام مصنوعة برؤية غربية"، معتبرا أن الأفلام الأصيلة هي التي يمكن أن تقود إلى العالمية.
الفكرة التي يتبناها الجوهري، طرحتها أيضا المخرجة المغربية، مريم أيت بلحوسين، التي اعتبرت في مداخلة في إطار الندوة الرئيسية للمهرجان حول موضوع "تمويل الإنتاج السينمائي في إفريقيا"، أن الاعتماد على دعم الصناديق الدولية لإنتاج أعمال سينمائية تعترضه إشكالية رئيسية تتمثل في ارتباط أغلب عمليات الدعم بالخلفيات الأيديولوجية للجهة الداعمة، وهو ما يطرح سؤال استقلالية صاحب العمل السينمائي عن توجهات الجهة الداعمة.
بدوره، يتشاطر الناقد السينمائي ورئيس الملتقيات السينمائية الدولية لدكار بالسنغال، كاسي ماغيي، هذه الفكرة حيث يرى أنه إذا كان أصحاب مشاريع الأفلام الوثائقية يتمتعون بحرية أكبر في علاقتهم بصناديق تمويل الإنتاجات السينمائية الأجنبية، فإن مشاريع الأفلام الطويلة، على العكس من ذلك، يعترضها إشكال حقيقي باعتبار "الحمولة الأيديولوجية والتأثير السياسي" اللذين يميزانها.
وأضاف ماغيي بالمناسبة ذاتها أن مخرجي الأفلام الأفارقة يجدون أنفسهم في هذه الحال أمام سؤال جوهري مفاده "أي فيلم سننجز ولمن سننجزه؟"، و"كيف سأجعل سينماي تعرض لواقع القارة والإشكاليات التي تطورها؟".
على أن كسب رهان التمويل لا يعد كافيا في نظر ماغيي الذي يرى أن مشكلة أخرى تعترض الأفلام الإفريقية تتمثل في التوزيع والتسويق والوصول إلى الجمهور، على اعتبار أن أغلب شركات التوزيع في القارة هي من خارجها.
وعن مشكل التوزيع هذا، قال المخرج السينمائي، إدريس اشويكة، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن الموزعين باتوا الطرف الأقوى في سلسلة إنتاج وتسويق الأعمال السينمائية، ولذلك فالأفلام الأجنبية لها الحظوظ الأوفر للقاء الجمهور.
واستحضر اشويكة أيضا التحديات التي تطرحها منصات البث التدفقي من قبيل (نتفليكس) التي تنحو إلى الهيمنة على الإنتاج وتتوفر على إمكانيات هائلة تفوق بكثير مجموع ما توفره صناديق الدعم التقليدية بالقارة.
وأمام مختلف التحديات التي تواجهها السينما الإفريقية على مستوى التمويل والتوزيع، يبدو واضحا أن الحل لا يمكن أن يأتي سوى من إفريقيا ذاتها، وذلك من خلال ما طالب به السيد الحبيب المالكي في افتتاح المهرجان حيث دعا المؤسسات الإنتاجية الكبرى والمؤسسات المالية الإفريقية إلى الانخراط في تمويل المشاريع السينمائية الجادة والكبرى، وإلى أن تعتبر الاستثمار في الثقافة استثمارا استراتيجيا بمردوديته المجتمعية والحضارية.
وبخصوص مواجهة اجتياح منصات البث التدفقي، يرى السيد المالكي أن بإمكان القارة كسب الرهان من خلال التركيز على الجودة، وعلى محتويات هي من صميم تطلعات الشعوب الإفريقية، وخاصة فئات الشباب، وبالتكتل في إطار اتحادات إنتاج.
يتعلق الأمر إذن برهان كبير يستوجب على الفاعلين بالقارة من مختلف المسؤوليات النهوض لرفعه، في أفق بلوغ سينما إفريقية تقدم للعالم صورة إفريقيا بعيون إفريقية، وتواجه الصور النمطية السلبية التي ظلت لصيقة بها.
ولعل المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة يشكل خير منصة لإسماع هذا المطلب وخير ناطق بمشاكل الفن السابع بالقارة، مكرسا بذلك الخدمات التي يقدمها له ومتناغما مع هدف هذه الدورة التي رفعت شعار "السينما الإفريقية.. حلم قارة بأكملها".