وأوضح السيد بنموسى، في كلمة له خلال ندوة صحفية خصصت لتقديم التقرير الخاص بالنموذج التنموي، أنه من شأن هذا الانتقال أن يشكل محطة مفصلية تمكن المغرب من تجاوز المخاطر المتعلقة بتراجع مستوى التنمية إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه.
ولهذا، يضيف رئيس اللجنة، فإن النموذج التنموي الجديد يحث على ضرورة تبني خيارات استراتيجية جديدة، قائمة على تعزيز المكتسبات التي تم تحقيقها ونهج قطيعة في بعض المجالات سواء من حيث الأهداف أو على الأقل من حيث منهجية العمل، مما يستدعي تغييرا في الذهنيات والتصورات.
وسجل أن هذه الخيارات تتمثل في أربع نقاط هي تسريع التحول الهيكلي للاقتصاد الوطني لفائدة قطاعات إنتاجية مدرة للثروة ولفرص الشغل ذات جودة والتي بإمكانها توفير الموارد لتمويل القطاعات الاجتماعية ذات الأولوية.
ومن أجل ذلك، يوضح السيد بنموسى، ينبغي ارساء مناخ محفز للأعمال ويؤمن مصالح المستثمرين، علاوة على تحسين تنافسية الاقتصاد الوطني عبر تقليص تكلفة عوامل الإنتاج، خاصة تلك المتعلقة بالطاقة واللوجستيك من خلال اصلاحات عميقة وجوهرية للقطاعات ذات الصلة، إضافة إلى توجيه الاستثمار نحو الأنشطة المنتجة الواعدة عبر وضع إطار تحفيزي ملائم وولوج أكبر وميسر للمقاولات لفرص التمويل، خصوصا بالنسبة للمقاولات الصغرى.
كما ينبغي العمل على الرفع من قدرة الاقتصاد الوطني على الصمود أمام الأزمات خصوصا تلك ذات الطبيعة النسقية، كجائحة كورونا، والتي من المحتمل أن تتسارع وتيرتها في المستقبل. ففي بعض القطاعات الاقتصادية الوازنة كالفلاحة، يضيف السيد بنموسى، يتحتم إدراج الرهانات المتعلقة بالسيادة الغذائية والاستدامة ضمن أولوياتها، وكذلك في قطاع كالسياحة الذي يستدعي استباق التحولات التي سيعرفها الطلب الداخلي والعالمي والتكيف مع الآثار المترتبة عنها.
وأضاف السيد بنموسى أن النقطة الثانية تتمثل في تجويد الرأسمال البشري وتعزيز قدراته باعتباره مدخلا أساسيا للتنمية، بغية جعله رافعة تمكن المغرب من الارتقاء إلى مصاف الدول الرائدة.
لهذا يركز النموذج التنموي الجديد، بحسب رئيس اللجنة، على تأهيل قطاعي الصحة والتعليم وذلك عبر الرفع من جودة الخدمات بهذين المرفقين العموميين وجعلهما في خدمة جميع المواطنين بكل ربوع المملكة وبشراكة مع القطاع الخاص الذي يجب أن يلعب دوره بمسؤولية ونزاهة، وفقا لما تقتضيه طبيعة هاذين القطاعين الحيويين.
وتابع أن الهدف الرئيسي يكمن في إرساء نظام صحي ناجع وفعال بإمكانه إنتاج الأدوية واللقاحات الأساسية، من أجل استباق تدبير المخاطر الناجمة عن الأزمات الصحية المتكررة في المستقبل؛ ومنظومة للتعليم والتكوين تهيئ الكفاءات لمغرب الغد، في إطار نهضة تربوية تضع التلميذ في صلب أولوياتها وتضمن التعبئة الشاملة لهيئة التدريس داخل مؤسسات تعليمية مسؤولة. كما ينبغي للمدرسة أن تضطلع بدورها فيما يخص ترسيخ قيم المواطنة والتشبث بثوابت الأمة.
أما النقطة الثالثة، يضيف السيد بنموسى، فتتمثل في توفير فرص الإدماج للجميع وتقوية الرابط الاجتماعي وضمان فرص المشاركة لجميع المغاربة، مشيرا إلى أنه لهذا الغرض يركز النموذج الجديد على تقوية مشاركة المرأة وإدماج الشباب وتطوير قدراتهم الشخصية.
وسجل أنه تم التركيز أيضا على تعزيز الحماية الاجتماعية للفئات التي تعاني من الهشاشة وفقا لمبدأ المساهمة العادلة والمتضامنة، إضافة إلى التعبئة الكاملة للتنوع الثقافي، كرافعة للانفتاح والحوار والتماسك الاجتماعي.
وفي هذا الصدد، لفت السيد بنموسى إلى أن اللجنة تشيد بالإصلاحات الجوهرية الأخيرة والمتمثلة في تنزيل مشروع تعميم الحماية الاجتماعية وتوقيع الاتفاقيات الأولى ذات الصلة، طبقا للتوجيهات الملكية السامية، مسجلا أن هذا المشروع الهام يعد لبنة أساسية للقضاء على أوجه الهشاشة الاجتماعية وصيانة كرامة المواطنين وتحسين ظروفهم المعيشية، خصوصا في ظل السياق الحالي الذي يتسم بتنامي المخاطر الناجمة عن الأزمات الاقتصادية والصحية.
وبخصوص النقطة الرابعة، فأوضح أنها تتعلق بجعل المجالات الترابية أكثر استدامة وقدرة على مواجهة الرهانات المتعددة التي تواجهها والعمل على تعزيز اندماجها في محيطها الجهوي، وذلك باعتبارها الفضاء الأنسب لترسيخ مسار التنمية.
وفي هذا الإطار، يقول السيد بنموسى، أبرز تقرير اللجنة أنه من الضروري تسريع مسار اللامركزية واللاتمركز وإعادة النظر في التنظيم الإداري على المستوى الترابي وتكريس قواعد الحكامة في قطاع التعمير ونهج سياسات ناجعة من أجل تثمين وحماية الموارد الطبيعية، بالإضافة الى ضرورة تحسين إطار عيش الساكنة من خلال عرض سكني يستجيب لمعايير الجودة ويوفر خدمات للقرب سهلة الولوج.
ولمواكبة هذه الخيارات الاستراتيجية، أبرز السيد بنموسى أن النموذج الجديد يقترح مجموعة من التدابير الملموسة وعددا من المشاريع العملية والرهانات المستقبلية التي يمكن تبنيها من قبل الفاعلين في مجال التنمية لأجل بلوغ الطموح المنشود.
وأوضح أن هذه المشاريع والرهانات تهم، على سبيل المثال لا الحصر، تطوير قطاع التكوين والبحث الميداني في خدمة المجالات الترابية، وإطلاق اوراش اصلاحية مهيكلة تشمل بالخصوص تطوير مصادر الطاقة منخفضة الكربون والتدبير الأمثل للموارد المائية وتحديث وسائل النقل واللوجستيك.
كما تتضمن هذه الخيارات تحفيز سوق الرساميل وتنويع آليات تمويل الاقتصاد وكذا إحداث المنصات الرقمية وتوسيع التغطية بالأنترنيت ذات الصبيب المرتفع بالإضافة إلى تثمين المنتجات التي تحمل علامة "صنع في المغرب" كوسيلة لإبراز إمكانات المملكة ولتعزيز اندماجها في سلاسل القيمة العالمية.
يشار إلى أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس كان قد ترأس، أمس الثلاثاء بالقصر الملكي بفاس، مراسيم تقديم التقرير العام الذي أعدته اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، واستقبل بهذه المناسبة، السيد شكيب بنموسى، رئيس هذه اللجنة، الذي قدم لجلالته نسخة من هذا التقرير.
وطبقا للمهمة الموكولة إليها، فقد اعتمدت اللجنة مقاربة متعددة الأبعاد، وقامت بتأطير جيد لأعمالها. وتمكنت، على الخصوص، من استكشاف وتدارس التحديات والتغييرات الجديدة التي نتجت عن جائحة كوفيد-19، في العديد من المجالات الاستراتيجية، مثل الصحة والفلاحة والأمن الغذائي والطاقة والتنمية الصناعية والسياحية.