1- ما هي قراءتكم للأزمة الراهنة بين المغرب وإسبانيا ؟
الأزمة الراهنة بالنسبة للدارس للعلاقات بين المغرب وإسبانيا، ليست بالأمر الغريب أو المفاجئ، بل إن الأزمات هي جزء من هذه العلاقات، خاصة وأن الأمر يتعلق بثلاث قضايا بنيوية مجتمعة في ذات الوقت ومرتبطة ببعضها البعض: قضية الصحراء المغربية ومسألة الهجرة وقضية سبتة ومليلية.
2- ما هي مظاهر تملص اسبانيا من التزاماتها الدولية إثر استقبالها مجرم حرب على أراضيها ؟
الحكومة الإسبانية لم تجد بعد مبررا مقنعا لقرار استقبالها المدعو إبراهيم غالي، وهو ما تعيبه عليها وسائل الإعلام الاسبانية وكذا عدد من السياسيين. وقد جاءت هذه القضية لتسائل مدى ديمقراطية النظام الإسباني ومدى فصله بين السلطة القضائية والتنفيذية واحترامهما للمبادئ الديمقراطية العليا. صحيح أن إسبانيا حاولت تبرير استقبال زعيم الانفصاليين بأسباب إنسانية، كما فعلت سابقا مع العديد من الانفصاليين الذين يعالجون في المستشفيات الاسبانية، إلا أن الأمر مختلف هنا نظرا لنوعية الدعاوي والتهم الموجهة ضد زعيم الانفصاليين منذ سنوات.
3- كيف يمكن تفسير موقف إسبانيا، علما أن المغرب كان دائما بلدا منفتحا على التعاون في جميع المجالات، بما فيها الأمن ومكافحة الهجرة السرية ؟
هذه الازدواجية في المواقف كانت متواجدة بشكل دائم ومتواز في علاقة إسبانيا بالمغرب والجزائر. نحن نعلم جيدا مصالح إسبانيا مع الجزائر، خاصة المتعلقة بالغاز، ونعرف كذلك مصالح إسبانيا مع المغرب. وكانت إسبانيا دائما تحاول أن توازن بين هذه العلاقات، ولو من حيث الخطاب الرسمي، دون أن تسقط في فخ التماهي مع طرف أو آخر. لكن، ما وقع أثناء استقبال المدعو إبراهيم غالي بشكل سري وباسم مزور بتنسيق مع الجزائر، يعكس وعي الاسبان بحساسية الموضوع. لكن إسبانيا خالفت الأعراف الدبلوماسية مع المغرب ولم تكلف نفسها حتى إخبار جارها الجنوبي بشكل أو بآخر بالخطوة التي ستقدم عليها. أما الآن، وبعد أن انكشف الأمر، فإسبانيا وجدت نفسها في مأزق، فلا هي تجرأت على الاعتذار للمغرب، ولا هي عبرت عن حسن نيتها في تصحيح الوضع والضغط لتأخذ العدالة مجراها الحقيقي في حق مجرم الحرب الذي تأويه.
4- كيف يمكن تفسير ازدواجية خطاب إسبانيا بخصوص الوحدة الترابية للمملكة ؟
يختلف الخطاب في تعاطي الإسبان مع قضية الصحراء المغربية أو مع قضية سبتة ومليلية المحتلتين. وهذا الخطاب يختلف حسب مصدر المواقف بين يسارية ويمينية. ويتفاوت التعاطي مع قضية الصحراء المغربية بين الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي مثلا، بحيث إن الأول لا يتعاطف إيديولوجيا مع طرح الانفصاليين، في حين أن الحزب الإشتراكي يدعم الانفصاليين في جميع المحافل، رغم بعض المواقف التي سجلت له مؤخرا مثلا بمنع تنظيم جلسة في البرلمان الاسباني لفائدة (البوليساريو)، إلا أن ميولاته الداعمة للطرح الانفصالي التي تقوت مع انضمام حزب بوديموس إلى الحكومة مؤخرا، جعلته دائما يتهرب من قبول المقترح المغربي والتشبث بموقف تقرير المصير في إطار الأمم المتحدة. في حين أن قضية سبتة ومليلية تجد لها صدى أوسع ودفاعا كبيرا عليها من طرف الحزب الشعبي، عكس العديد من رموز الحزب الاشتراكي الذين يرون أنها من آخر معاقل الاستعمار التي يجب تصفيتها.
5- يرفض المغرب أن يكون ورقة يتم توظيفها في الصراعات الداخلية (بالأحزاب السياسية) في إسبانيا، ما هي قراءتكم بهذا الخصوص ؟
كل ما يتعلق بالمغرب، في الحقيقة، هو جزء من السياسة الخارجية الاسبانية. ففي المناهج الجديدة لدراسة السياسات الخارجية للدول لا يمكن الفصل بين المتغيرات الداخلية والخارجية. إذ أن العديد من القضايا الداخلية يكون لها دائما وقع على السياسات الخارجية للدول وبالتالي يكون لها تأثير مباشر على رسم السياسات الخارجية. أما بخصوص إسبانيا، فنظرا لكون المغرب هو الجار المباشر لها، ونظرا كذلك لكون القضايا البنيوية التي تحدثنا عنها سلفا مرتبطة ارتباطا وثيقا بالاقتصاد والحدود بين البلدين، فمن الطبيعي أن تكون موضوع نقاش داخلي أو صراع داخلي حسب حساسية وخطورة الموضوع. ما لا يجب أن يحصل هو أن تتصارع الأحزاب، حسب موقعها في الحكومة أو في المعارضة، على أن تجعل من العلاقة مع المغرب معيارا للنجاح أو الفشل في السياسات المتبعة في شتى المجالات سالفة الذكر.