وحسب ورقة تقديمية للكتاب الذي يقع في 432 صفحة من القطع المتوسط، فإن الاشكالية التي تطرق إليها المؤلف تكتسي "حصافة علمية وقيمة استراتيجية وعملية لا جدال فيهما، خاصة في سياق النداءات الملكية لإعادة النظر وتجديد النموذج التنموي وتعيين لجنة لهذا الغرض، وعلى ضوء الأزمة الناتجة عن تداعيات الجائحة العالمية كورونا التي أثرت على مسارات النمو الاقتصادي والنماذج الوطنية للتنمية.
وحسب المصدر ذاته، فقد اعتمدت المقاربة التي انتهجها المؤلف في تحليله لإشكالية الجهوية المتقدمة وتجديد النموذج التنموي للمغرب كدولة أمة أحادية، لاممركزة وفي طريق جهوية متقدمة، على مسلمة التلازم والارتباط العضوي ما بين البناء الجهوي والبناء الوطني والدولتي بالمغرب، مع اعتبار أن الاقتصاد العام لنموذج الجهوية المتقدمة مرتبط عضويا ومتداخل مع الاقتصاد العام للنموذج الوطني، بمواطن قوته وضعفه وبمؤهلاته وطموحاته.
ومن هذا المنظور، يضيف الكاتب، وهو عضو اللجنة الملكية الاستشارية للجهوية، فإن الأطروحة المركزية لهذا الكتاب تشكل ترافعا من أجل مسار جديد لنموذج التنمية الوطنية والجهوية الشاملة والمستقلة والمندمجة، مع مركزية عضوية للجهوية المتقدمة الإرادية، واعتبارها كركيزة للإدماج والالتقائية، وكمحرك للدفع بمختلف الديناميات السوسيو اقتصادية والمجتمعية والترابية للتنمية.
وعلى هذا الأساس، يضيف الكاتب، فإن التوجه العام للمسار المستقبلي للتنمية سيتأثر بشكل عميق بحجم ووزن وطبيعة الأعمال الاستراتيجية وبالمشاريع الجهوية المهيكلة، وبعمق الإصلاحات الهيكلية وبأهمية المجهود العام للاستثمار والتنمية الذي ستضطلع به الدولة وتفرعاتها والجهات والجماعات الترابية الأخرى، وكذا بمستوى التجنيد الجماعي للنخب المستنيرة ولكافة أطراف التنمية في الجهات.
وقام المؤلف في كتابه أيضا بدراسة التحديات الهيكلية المستقبلية للتنمية بهدف توضيح المعالم المستقبلية من أجل تخطيط استراتيجي وحكامة ديمقراطية في أفق 2050 متمحورة على صدارة الجهة و أفضلية المجال الجهوي، وبالترافع من أجل مسار جديد لنموذج التنمية الوطنية والجهوية بالمغرب، مع مركزية عضوية للجهوية المتقدمة الإرادية، على أساس مقاربة منهجية ومفاهيم جديدة وسيناريوهات مستقبلية اختيارية.
وعلى ضوء مستنتجات تحاليل المسارات السابقة للتنمية بالمغرب، واعتبارا للتحديات الداخلية والخارجية المقبلة وللرهانات المشروعة وكذا للتجارب المقارنة عالميا لدول نجحت في دخول نادي الدول الصاعدة ومنها من أصبحت دولا متقدمة، يعتبر المؤلف أن الاعتماد الناجح للقطيعات الهيكلية والإدراج الإيجابي لنقط التحول المحوري للمسار الجديد للنموذج التنموي وللجهوية المتقدمة الإرادية، يبقيان رهينين بثلاث مسلمات.
وتتعلق المسلمة الأولى، حسب الكاتب، "بالوعي الجماعي باستحالة مواصلة المسار الحالي الذي تعوزه الاستدامة و يشكو من الفعالية المتوسطة ومن بطء في التقائية التنمية، فيما تؤكد المسلمة الثانية على "استحالة اعتماد نموذج جديد للتنمية، مع وضع النموذج الحالي بأكمله جانبا، والذي يتوفر رغم ظهور علامات ومؤشرات على تقهقره وتراجعه، على إيجابيات ثابتة، وقدرات جماعية لامادية ونقط قوة يمكن البناء عليها، وذلك بتقوية الدعامات الصلبة الموجودة وبإدراج دعامات جديدة حاملة لجيل جديد من الإصلاحات"، فيما تتمثل المسلمة الثالثة في إحداث تحول في مفاهيم التنمية والتحكم في عقد التحول وأسس إعادة البناء.
ويرتكز الترافع المركزي الذي يدافع عنه المؤلف على ثلاث دعامات متكاملة للتحليل تتمثل في اعتماد منظور متجدد للتنمية مرتكز على معرفة جماعية ذكية للمكتسبات الواضحة التي يجب تقويتها، وعلى التبعيات التاريخية للمسارات التي يجب تدعيمها وعلى نقط الضعف التي وجب معالجتها من منظور شمولي كفيل بتجاوزها.
وحسب الكاتب، فإن من شأن اعتماد مقاربة جديدة للتنمية إعادة التفكير وتجديد أسس النموذج والبناء الجماعي لمساراته الجديدة اعتبارا للتحديات الهيكلية المرتبطة بالتطور الديمغرافي على المدى البعيد، وللرهانات والطموحات المشروعة للأمة المتعلقة بتقوية الانتقال الديمقراطي، وتسريع التحول الهيكلي وتكثيف التشعب الاقتصادي والتنافسية التكنولوجية والتجديد المؤسساتي والسياسي، وتقوية التأهيل الاجتماعي والجهوي والإنجاز الملموس للمساواة في حظوظ وفرص الولوج للتنمية وكذا إقرار التماسك الاجتماعي والترابي والتآزر الجهوي.
وخلص الكاتب إلى أن هذه المقاربة الجديدة للتنمية التي تجعل من الجهوية المتقدمة الارادية محركا للتحولات الهيكلية للمملكة، وورشا كبيرا في صلب الرهانات الحالية والتحديات الداخلية والخارجية المستقبلية للتنمية الوطنية والجهوية الشاملة والمستقلة والمندمجة، تحتم اقرار تحول في مفاهيم الاستراتيجيات والسياسات التنموية المقبلة وبلورة سيناريوهات مستقبلية اختيارية.