كما يسلط هذا الفاعل الاقتصادي، وهو أيضا ممثل الرئاسة في جمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك المستقلين (موصياد)، الضوء على القطاعات الاقتصادية التي تتأثر سلبا وإيجابا يتأرجح العملة التركية.
1- ما هي في نظركم العوامل الاقتصادية التي أثرت سلبا على استقرار الليرة التركية ؟
اقتصاد تركيا يندرج ضمن الدول العشرين الصناعية الكبرى في العالم، ويعتمد بشكل كبير على الصناعات الصغرى والمتوسطة وقطاع الخدمات، منها قطاعات السياحة والطيران والانشاءات والعقارات، وفي سنة 2019 بلغت عائدات قطاع السياحة 34 مليار دولار والطيران 13 مليار دولار، فيما شكل قطاعا الانشاءات والعقارات 10 في المئة من الاقتصاد التركي؛ غير أن هذه القطاعات شهدت في الآونة الأخيرة تباطؤا كبيرا بسبب التداعيات السلبية لجائحة "كورونا".
الليرة التركية تتبع، منذ سنة 2000، نظام الصرف الحر، أي أنها تخضع لمبدأ العرض والطلب، حيث تم التخلي عن سعر الصرف الثابت لليرة على إثر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بعد الأزمات الاقتصادية التي عاشتها تركيا منذ تسعينات القرن الماضي.
وأهم العقبات أمام الاقتصاد التركي تتمثل في الدين الخارجي القصير الأجل أي "الأموال الساخنة" وعجز الميزان التجاري بسبب فاتورة الطاقة التي تستوردها من الخارج وهو ما ينعكس سلبا على الحساب الجاري.
2/ هل لكم أن تحددوا لنا القطاعات التي تتأثر سلبا أو إيجابا بانخفاض سعر الليرة ؟
كأي عملة لدولة صناعية، يؤثر انخفاض سعر الليرة سلبا على بعض المتعاملين كما أنه يفيد بعضا آخرين.
العملة التركية، رغم تراجعها، تستند إلى اقتصاد متين ومرن يعتمد على الصناعات الصغيرة والمتوسطة ومتأقلم مع سياسة الأزمات، فكل أزمة تخلق فرصا، فهناك أطراف تربح بسبب انخفاض العملة. ارتفاع الدولار أمام الليرة ينعكس إيجابا على الصادرات التركية والشركات التركية المصدرة إلى الخارج، ويساعد على الانتاج الداخلي الموجه للتصدير، حيث إن انخفاض الليرة يمنح الشركات المصدرة قدرة تنافسية أكبر وفرصة لبيع السلع بوتيرة أكبر، وبالتالي تعزيز الصادرات التركية نحو الخارج، كما أن الاستثمارات الخارجية تبدأ بالتدفق على تركيا لكون تراجع الليرة يحفزها على دخول السوق التركية لاقتناص الفرص بأقل كلفة.
قطاع السياحة، الذي يعد من ركائز الاقتصاد التركي، يستفيد من تراجع الليرة أمام العملات الصعبة، من خلال تدفق المزيد من السياح، ما يعني خدمات سياحية بكلفة أقل وتنافسية أكبر.
وبالتالي، فإن انتعاش هذه القطاعات يفيد الحكومة التركية في تقليص العجز الجاري.
بالمقال، الخاسرون من انخفاض سعر العملة، هي أولا الشركات المستوردة من الخارج لأنها تدفع مبالغ أكبر مقابل استيراد السلع والخدمات، وثانيا المستهلكون بالداخل لكون انخفاض الليرة يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، ومن ثم زيادة معدلات التضخم، ولكن تركيا تقوم بتخفيف حدة هذه الظروف من خلال توظيف الأموال المتحصل عليها من ارتفاع مستوى الصادرات في امتصاص أي صدمة للأسعار الداخلية.
ثالثا، الشركات التي حصلت على ديون بنكية بالعملة الصعبة تتأثر بشكل كبير من انخفاض العملة، ورابعا المستثمرون الأجانب في قطاع الشقق السكنية تهبط قيمة استثمارهم على المدى القصير، لكن هذه الخسارة، سرعان، ما تعوض على المديين المتوسط والبعيد.
وإلى جانب الإجراءات الحكومية العديدة لوقف تدهور الليرة، يتدخل البنك المركزي من خلال الأدوات السياسية والمالية للحفاظ على استقرار الليرة وحفظ قيمة الفائدة في البنوك وتقديم تسهيلات تتيح للمواطنين الحصول على قروض بنكية طويلة الأمد بأسعار منافسة تجعلهم يحركون أموالهم للحصول على مكاسب أو مشاريع جديدة، وهذا ما يدفع في اتجاه دعم الاقتصاد.
3 / ماهي العوامل السياسية التي تفقد الليرة التركية توازنها ؟
العوامل السياسية لها دور في استقرار الليرة، فكلما نجحت تركيا في العلاقات السياسية الخارجية وحافظت على سياسة داخلية مستقرة وقدمت مشاريع استراتيجية جديدة ... تستقر الليرة التركية أمام العملات الأجنبية.
أما عندما تكون انتخابات في تركيا أو ملف للضغط على تركيا دوليا تتقمص وكالات التصنيف الائتماني الأدوار المنوطة بها لتخفيض مستوى التصنيف الائتماني أو الضغط على العملة التركية.
ومعلوم أن العملة التركية تظهر حساسية تجاه الأزمات الخارجية، خاصة مع واشنطن بخصوص العديد من الملفات، وأي توثر في العلاقات بين أنقرة وواشنطن يؤدي إلى آثار سلبية على الاقتصاد التركي بشكل عام، وعلى الليرة بشكل خاص.
الولايات المتحدة تحاول لي ذراع تركيا بتلاعبها بالاقتصاد والعملة التركية، لكن الملاحظ أن هذه الأزمات لا تدوم طويلا لأن هناك وعيا دوليا بتنامي أهمية الدور التركي.
فتركيا تتقن فن التعامل بحذر وذكاء مع اللاعبين الأقوى في العالم، الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، وهذا من أهم أسباب نجاح سياسة تركيا داخليا وخارجيا سياسيا وعسكريا وهو ما ينعكس إيجابا على اقتصادها.