غير أن الصين لا تزال تواجه تحديات مقلقة تتعلق بمخاطر تفش جديد للفيروس لاسيما مع ظهور بؤر جديدة على فترات مختلفة في بعض المدن كالعاصمة بكين ومدينتي داليان الواقعة على الحدود مع روسيا، وتشينغداو الساحلية بشرق البلاد، وآخرها مدينة كاشغار بمنطقة شينجيانغ الويغورية ذاتية الحكم شمال غرب البلاد، التي اكتشفت بها إصابات جديدة دون أعراض تجاوزت 137 حالة نهاية الاسبوع الماضي.
هذه الحالات الجديدة المتفرقة أثارت موجة من المخاوف من احتمال تجدد تفشي الوباء على نطاق واسع والعودة إلى تدابير الاغلاق ومنع السفر والتنقل الذي لا تزال ذكرياته الأليمة حاضرة في أذهان 1.4 مليار صيني.
غير أن السلطات الصينية ولتجنب أي سيناريو من هذا القبيل تسارع إلى التحرك لتطويق أي بؤرة جديدة للفيروس عبر إجراء حملات اختبار واسعة النطاق على سكان المناطق والمدن المعنية، وعزل المصابين وتتبع المخالطين مع رصد مصدر العدوى، وفرض إجراءات عزل وإغلاق محدودة، وهي المقاربة التي أثبتت لحد الان جدواها.
وبالموازاة مع ذلك، لجأت الصين إلى الاستخدام الطارئ للقاحات تجريبية ضد كوفيد-19 لفائدة بعض الفئات التي تواجه مخاطر عالية مثل العاملين في القطاع الطبي وموظفي الجمارك والخدمات العامة. وتؤكد السلطات الصحية أن اللقاحات المختارة للتلقيح في حالات الطوارئ، تمت الموافقة على دخولها في المرحلة الثالثة من التجارب السريرية، وأن بيانات التجارب التي تم جمعها حتى الآن "قدمت دليلا على سلامتها وفعاليتها".
كما كشفت السلطات الحكومية مؤخرا أن نحو 60 ألف متطوع في عدة دول تلقوا لقاحات صينية ضد كوفيد-19 خلال المرحلة الثالثة من التجارب السريرية الدولية، وأنه "لم تسجل أي آثار جانبية خطيرة".
ودخلت أربعة لقاحات صينية المرحلة الثالثة من التجارب السريرية في دول تربطها شراكة مع الصين في المجال. وحسب بكين فإن جميع التجارب حققت "تقدما جيدا وأثبتت اللقاحات أنها آمنة بشكل مبدئي"، مضيفة أن الأعراض الأكثر شيوعا في هذه التجارب هو "الشعور بألم وتورم في مكان الحقن تتبعه حمى وكلاهما بسيط".
وتعمل عدة شركات صينية بينها "سينوفاك" و"سينوفارم" على تطوير لقاحات ضد كوفيد-19، حيث اتجهت الشركتان العملاقتان لإجراء اختبارات على لقاحاتها التجريبية في الخارج بعدد من البلدان لكون الظروف لم تعد مواتية لإجراء المرحلة الثالثة من التجارب في الصين، التي لم تعد تسجل سوى عدد محدود من الإصابات الجديدة.
وقال الخبير الصيني والدبلوماسي السابق، وو فو قوي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن أسباب نجاح الصين في السيطرة على تفشي الوباء ترجع أولا إلى أن الصين لديها "مزايا مؤسساتية" حيث أن الحكومة تتوفر على "حس عالي من المسؤولية" وتتبنى مبدأ "الحياة أولا" وتعليه على باقي الاعتبارات الأخرى الاقتصادية وغيرها، كما اتخذت إجراءات حاسمة إبان تفشي الوباء والتي تأكدت فاعليتها.
وأضاف أن الاعتبار الثاني هو انخراط ومساهمة 1.4 مليار صيني في جهود السيطرة والوقاية من الوباء، عبر التزامهم بالتدابير الاحترازية المتعلقة بالعزل والبقاء في المنازل إبان تفشي الوباء، مشيرا أيضا إلى دور الطب الصيني التقليدي إلى جانب الطب الغربي العصري في شفاء المرضى.
كما أبرز دور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في جهود مكافحة الوباء في الصين، حيث تم تعميم استخدام تطبيق الرمز الصحي على الهواتف المحمولة للأفراد والذي يتضمن بيانات صحية للأشخاص، لافتا إلى أن بعض الجهات في الخارج "تنتقد عدم دقة المعطيات في الصين لكونها لا تدرك مستوى الرقمنة العالي هنا".
من جانب آخر، تمكنت الصين من استعادة تعافيها الاقتصادي تدريجيا بعد الخسائر التي تكبدتها إبان مرحلة الإغلاق وتوقف أنشطة الإنتاج في العديد من المصانع والشركات، فضلا عن تضرر القطاعات المرتبطة بالتجارة الخارجية وسلاسل التوريد وكذا الطيران والسياحة والفنادق والمطاعم المقاهي.
وفي مؤشر يعكس الانتعاش الاقتصادي للعملاق الاسيوي، سجل الاقتصاد الصيني نموا بنسبة 4,9 في المائة في الفصل الثالث من عام 2020 مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، محافظا على التعافي الذي حققه بعد تدابير الإغلاق لاحتواء كوفيد-19 ليقترب من مستويات ما قبل ظهور الوباء، فيما رجعت الحياة إلى وتيرتها الطبيعية وعاد الصينيون لارتياد المقاهي والمطاعم والتسوق والسفر، في مشهد يتناقض مع الوضع في العديد من دول العالم الأخرى.
وحسب توقعات صندوق النقد الدولي، فإن الصين في طريقها لتكون القوة الاقتصادية الرئيسية الوحيدة في العالم التي تحقق نموا هذا العام، فيما تحاول دول العالم التعامل مع تدابير الإغلاق وموجات جديدة من الإصابات.
كما بلغ إجمالي حجم التجارة الخارجية للسلع في الصين 23,12 تريليون يوان، في الفصول الثلاثة الأولى، بزيادة 0,7 في المائة على أساس سنوي، ما عكس اتجاه الانخفاضات المسجلة في الفصلين الأولين عندما تأثرت التجارة الخارجية للبلاد بسبب جائحة كوفيد -19.
ولعبت الشركات الخاصة دورا مهما في دفع نمو التجارة الصينية، حيث توسعت تجارتها الخارجية بنسبة 10,2 بالمئة في الفصول الثلاثة الأولى من العام.
وأظهرت بيانات هيئة الجمارك الصينية أن رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) ظلت أكبر شريك تجاري للصين في الأشهر التسعة الأولى، تلاها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، كما ارتفعت التجارة مع الدول الواقعة على طول الحزام والطريق بنسبة 1,5 بالمئة.
ويمثل الحفاظ على زخم الانتعاش الاقتصادي تحديا حقيقيا آخر للسلطات الصينية ينضاف إلى تحدي السيطرة على تفشي الوباء، وذلك بالنظر إلى ظرفية عدم اليقين التي تسود العالم، وتصاعد التوترات مع الولايات المتحدة على أكثر من صعيد، من التجارة والتكنولوجيا إلى الاتهامات المتكررة بشأن المسؤولية عن الوباء، وصولا إلى ملفات حقوق الانسان وقضايا تايوان وهونغ كونغ وشينجيانغ، فضلا عن تداعيات الوباء على الشركاء الاقتصاديين للصين.