1- ماهي أبرز تجليات جائحة كورونا على صناعة النشر في الوطن العربي؟
صناعة النشر كانت تعاني من عدة أزمات ومشاكل قبل جائحة كورونا، أبرزها انتشار الأمية وانتهاك حقوق الملكية الفكرية والقرصنة والتزوير وتراجع عادات القراءة لدى المتعلمين.
للأسف القراءة ليست عادة أصيلة لدى القارئ العربي، وحتى بعض المتخصصين لا يقرأون إلا القراءة الأحادية أو المتخصصة حسب توجهاتهم.
أزمة كورونا جاءت لتعمق من هذه الأزمة وأتت على البقية الباقية من صناعة النشر الهشة أصلا. اليوم وفي ظل الجائحة اضطرت نحو 24 بالمائة من دور النشر للإغلاق التام، وأوقفت 76 بالمائة نشاطها كليا أو جزئيا، كما أن إنتاج دور النشر العاملة تراجع ما بين 50 و 75 بالمائة وتراجع حجم مبيعاتها بنحو 75 بالمائة.
مع كامل الأسف أزمة كورونا، وجدت أمامها "صناعة ضعيفة لم تقو على الصمود والمواجهة وبالكاد حاليا تقاوم من أجل البقاء"، لقد أتت على البقية الباقية من هذه الصناعة لأنها هشة تتأثر بأي تغيرات تحدث حولها.
كيف وصل قطاع النشر إلى هذه الوضعية بعد فترة ازدهار استمرت لعقود من الزمن؟
هناك تراكمات كثيرة جعلتنا اليوم نعيش هذه الوضعية المؤسفة. قطاع النشر ازدهر فعلا في عقود الستينيات والسبعينيات واستمر كذلك حتى متم القرن الماضي. ثمة مشاكل ذاتية وأخرى موضوعية. هناك مشاكل تتعلق بالقرصنة والتزوير ، وارتفاع الرسوم الجمركية على مستلزمات الكتاب في العالم العربي علما أن العالم العربي ليس منتجا لهذه المستلزمات، وهناك كذلك ارتفاع تكاليف الاعلانات وعدم وجود خطوط منتظمة للشحن.
وخلال السنوات الماضية حدث ما يعرف ب "الربيع العربي" الذي كان له كذلك دور كبير في تراجع الإقبال على الكتاب وتراجع عدد الكتب التي تنتج في العالم العربي، حيث اضطرت عدد من دور النشر للاتجاه لأعمال وأنشطة أخرى غير النشر الذي لم يعد مجديا نتيجة الحروب والهيمنة والتفتيت الذي يمر به العالم العربي.
عقب "الربيع العربي" فقد الناشر أسواقا مهمة مثل السوق الليبية والعراقية والسورية واليمنية والتونسية وبالتالي دخلنا في نفق مظلم ما زلنا نتخبط من أجل الخروج منه.
خصصت الحكومات العربية دعما لإنعاش الاقتصادات المحلية في ظل الجائحة. ما نصيب قطاع النشر من هذا الدعم؟
بادر اتحاد الناشرين العرب عقب الإغلاق الناتج عن تفشي الفيروس، إلى مخاطبة قادة الدول العربية للتدخل من أجل إنقاذ هذا القطاع ، خصوصا وأن الحكومات رصدت مبالغ مهمة لإنعاش مختلف شرايين الاقتصاد التي تضررت من الجائحة، وكان مقترحنا أن تقوم وزارتي الثقافة والتربية الوطنية بمختلف الدول باقتناء كتب من الناشرين لفائدة المكتبات المدرسية والجامعية ودور الثقافة والخزانات والمكتبات العامة والمعاهد.
للأسف هذه الخطوة لم تلق صدى إلا في دول قليلة في مقدمتها المغرب الذي قدما دعما مهما للناشرين وخصص ميزانية لاقتناء وشراء كتب من منهم.
يتعين على الحكومات أن تدرك أن لا تنمية اقتصادية واجتماعية بدون وعي ثقافي وفكري. يتعين عليها أيضا بلورة وإعداد برامج قومية لتحفيز وتشجيع القراءة وبرامج سريعة للقضاء على الأمية. للأسف الثقافة على مستوى الوطن العربي ليس لها الاهتمام الكافي لدى المسؤولين، فباستثناء بعد المظاهر الثقافية ، لا اهتمام يذكر بأساس الثقافة وهو الكتاب.
حتى معارض الكتب التي كانت متنفسا حقيقا للناشرين، لم يعد ممكنا إقامتها بشكلها التقليدي لدواع صحية . يتم التفكير حاليا في تنظيم معارض افتراضية ، لكن من دون دعم الدولة لن نصل إلى نتيجة. معارض الكتاب تشكل 55 بالمائة من الإيرادات السنوية لمعظم دور النشر العربية وحرمان الناشر من هذه المعارض أمر كارثي بكل المقاييس.