وأكد السيد بنحمو في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء أنه ورغم مرور الوقت وتغير السياق ظل اتفاق الصخيرات "ذو مصداقية وأرضية صلبة لأي اتفاق سياسي جديد".
وتابع أن الاتفاق السياسي بين الفرقاء الليبيين الموقع بالصخيرات شكل بالفعل اختراقا دبلوماسيا هاما للأزمة الليبية، حيث أفضى إلى الدعوة لاتفاق على تشكيل مجموعة من المؤسسات السياسية التي حظيت باعتراف المجتمع الدولي وفي مقدمتها "حكومة الوفاق الوطني".
وتكمن أهمية الاتفاق، برأي المتحدث، في كونه حظي بتوقيع كل من وفد من مجلس النواب الليبي في طبرق، ووفد من النواب المقاطعين، ووفد من النواب المستقلين، وممثلين عن بلديات مصراتة وطرابلس، ليكون ممثلا لكل طوائف ليبيا تقريبا، بالإضافة إلى الممثل الأممي الخاص بليبيا حينها، مارتن كوبلر.
وأكد أن اتفاق الصخيرات جاء ليقدم الكثير من الإجابات لمختلف القضايا العالقة، حيث تقدم مواده الأساسية أو تلك المتعلقة بالأحكام الإضافية والترتيبات الأمنية وصفة متكاملة لخروج البلاد من أزمتها.
ومن جهة أخرى، سجل السيد بنحمو أن ليبيا عرفت منذ أبريل 2019 اتجاه أحد أطراف النزاع، ممثلا في خليفة حفتر، نحو الحسم العسكري، مستفيدا من دعم أطراف خارجية، حيث حاولت قواته السيطرة على مدينة طرابلس، معقل حكومة الوفاق الوطني.
وأضاف أنه، وأمام الفشل في إنهاء الصراع لصالحه عسكريا، سعى المشير المتقاعد خليفة حفتر إلى البحث عن مخرج دبلوماسي يحفظ ما تبقى من مشروع حلفائه، غير أن جميع المبادرات التي أطلقت لم تلق أي ترحيب دولي يذكر، وخاصة من دول الجوار وكذا من الدول الفاعلة والمؤثرة.
وأبرز الخبير المغربي أن النجاحات التي حققتها قوات حكومة الوفاق الوطني تعتبر "ضربة تكاد تُنهي طموحات حفتر بإمكانية حسم الصراع لمصلحته بالقوة العسكرية من خلال السيطرة على العاصمة، وهو ما جعل بعض الأطراف الداعمة له ترى أنه أصبح رهانا فاشلا لا يستطيع السيطرة على ليبيا".
وقال إن استمرار التدخلات الخارجية واستفحالها، ساهم في انزياح الأزمة الليبية عن خارطة الطريق التي رسمها اتفاق الصخيرات (حيث أعلن خليفة حفتر في ديسمبر 2017 انسحابه من الاتفاق ونهاية صلاحيته)، مذكرا بإشراف فرنسا على مؤتمر للحوار الليبي، توج بما عرف بإعلان باريس في ماي 2018 يقر فيه الفرقاء بإجراء انتخابات رئاسية ونيابية في أقرب الآجال. غير أن هذه الخطة تأجلت بعد رفض الولايات المتحدة وروسيا وقوى أخرى جدولها الزمني في مجلس الأمن، يضيف السيد بنحمو.
وأشار إلى أنه، وبعد فشل مؤتمر باريس، شهدت مدينة باليرمو الإيطالية في نوفمبر 2018، عقد مؤتمر بحضور أطراف الأزمة الليبية وعدد من القوى الإقليمية والدولية ودول الجوار الليبي، شدد على رفض الحل العسكري في ليبيا، واعتماد الاتفاق السياسي الليبي المتفق عليه (اتفاق الصخيرات)، كإطار وحيد قابل للتطبيق من أجل مسار دائم نحو الاستقرار في ليبيا.
وأمام فشل مختلف المساعي السابقة واستمرار الاقتتال، قال السيد بنحمو إن بعض القوى الإقليمية عمدت في 19 يناير 2020، إلى عقد مؤتمر برلين حول ليبيا بمشاركة 11 دولة استبعدت منه دول الجوار وفي مقدمتها المغرب، حيث اتفق المشاركون في المؤتمر أن "لا حل عسكريا للنزاع"، كما وعد المجتمعون باحترام حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة عام 2011 على ليبيا.
ولفت إلى أنه "يمكن الجزم أن اتفاق الصخيرات يشكل النقطة الوحيدة المضيئة في الصراع الليبي، لأنه الاتفاق الوحيد الذي هندس خارطة طريق واضحة للتوصل إلى مخرج سياسي سلمي للأزمة".
وبرأي المتحدث، فإن الدور المغربي في ليبيا "ليس نابعا من أطماع أو مصالح شخصية أو حسابات ضيقة، وإنما من علاقات تاريخية وأخوية عميقة تربط بين الشعبين، فضلا عن كون الموقف المغربي من التطورات التي يعرفها الملف الليبي ظل واضحا وهو دعوة جميع الفرقاء الى الحل السياسي، والتمسك باتفاق الصخيرات باعتباره أرضية مرجعية لا محيد عنها لأي حل سياسي".
وشدد في هذا الصدد على أنه "رغم صعوبة الاصطفاف في هذا الطرف أو ذاك حين يتعلق الأمر بالصراعات المسلحة، على اعتبار أن الدعم والحالة هذه يقتضي التمويل والتسليح؛ غير أن المغرب ظل يتعامل مع حكومة الوفاق الوطني باعتبارها الممثل الشرعي للشعب الليبي".
ويؤكد السيد بنحمو على أن "موقف الرباط من الملف الليبي يتسم بالحياد دون الوقوف مع هذا الطرف أو ذاك، والتركيز على ضرورة الحوار بين مختلف أطراف الأزمة، حيث أن تعامله مع حكومة الوفاق يأتي انسجاما مع اعتبارها من مخرجات اتفاق الصخيرات وبالتالي باعتبارها مؤسسة شرعية، وليس باعتبارها طرفا في النزاع".
وخلص السيد بنحمو إلى أنه "إذا كانت مختلف الأطراف المتدخلة في ليبيا تسعى إلى حماية مصالحها عبر دعمها المباشر أو غير المباشر لهذا الطرف أو ذاك، فإن المغرب يؤمن أن حماية مصالحه في ليبيا تمر حتما عبر مساعدة الليبيين في إعادة بناء الدولة، وأن أي شراكة وتعاون ينبغي أن يكون مع هيئات شرعية تمثل الشعب الليبي".
وعن آفاق ومستقبل النزاع في هذا البلد المغاربي، ذكر الخبير الاستراتيجي أن ليبيا تعد من البلدان الغنية من حيث الثروات الطبيعية فضلا عن موقعها الاستراتيجي، ما يجعلها محط أطماع مختلف القوى الإقليمية والدولية التي سعت للتدخل لضمان موطئ قدم لها في هذا البلد.
وأوضح أن المصالح بين الدول الكبرى والإقليمية تتعارض بشكل لافت، حيث ترى بعض الدول الملف الليبي ملفا اقتصاديا وترغب في ضمان حصتها في العقود والصفقات، فيما ترى أخرى أنه ملف أمن قومي يهدد كيانها وسلامتها، بينما هناك دول أخرى لا يهمها الشأن الليبي بقدر ما يهمها ضبط الحدود ووقف تدفق المهاجرين نحو أوربا، وأخرى تسعى إلى ضمان استمرار ضخ صادرات النفط الشريان الحيوي للعجلة الاقتصادية.
وأبرز أنه بقدر تزايد التدخلات تتزايد الانقسامات بين الأطراف الليبية وهو ما يؤدي إلى عرقلة المبادرات الدبلوماسية عبر التنكر للاتفاقات السياسية ومحاولة حسم الأمور عسكريا.