واستقبلت مدينة قلعة السراغنة، على غرار باقي مدن وأقاليم المملكة، هذا الشهر الفضيل في أجواء استثنائية صاحبتها مجموعة من التدابير الوقائية والاحترازية التي فرضتها السلطات الإقليمية، قصد الحد من انتشار فيروس "كورونا" المستجد.
ولم يكن يخطر ببال الساكنة، في يوم من الأيام، أن وباء "خفيا" سيغيب معظم الطقوس والتقاليد التي كانت تكسب الشهر الفضيل طعمه وطابعه الخاص. فقد غابت عن المدينة، هذه السنة، الزيارات بين الأهل والأصدقاء، واجتماع الأسر حول موائد الإفطار، وخروج الأطفال إلى الساحات للقاء أقرانهم وقضاء وقت ممتع قبيل أذان الإفطار.
وغابت عن الساكنة السرغينية أيضا، الأجواء الرمضانية بعد الإفطار المتمثلة في أداء صلاة التراويح في المساجد العامرة والتجول بين شوارع وحدائق المدينة قصد الاستجمام والترويح عن النفس، وذلك نتيجة للوضع الاستثنائي الذي فرضه الوباء.
وعلى صعيد آخر، أبانت ساكنة قلعة السراغنة عن التزام تام وتجاوب طوعي، إزاء إجراءات وتدابير تمديد حالة الطوارئ الصحية، حيث عاشت شوارع المدينة هدوء وسكينة، في ظل غياب السيارات والدراجات النارية والهوائية، فضلا عن خلو الأرصفة من المارة.
ويجسد هذا السلوك المواطن وعي ساكنة المدينة عموما، بالخطر الداهم لفيروس "كورونا" المستجد، واستجابتها الطوعية لتوجيهات السلطات العمومية المتعلقة بالمكوث في البيوت، وتجنب الخروج إلا في حالات الضرورة القصوى، من قبيل التبضع أو العلاج أو الالتحاق بمقرات العمل بالنسبة للموظفين.
وفي هذا السياق، كثفت السلطات المحلية، عبر دوريات تضم رجال وأعوان السلطة وعناصر من الأمن والقوات المساعدة، تحركاتها وجولاتها الميدانية في أحياء وفضاءات المدينة، وذلك بهدف ضمان التنزيل الأمثل لتدابير الحجر الصحي وتمديد حالة الطوارئ، وتتبع مدى التزام المواطنين بالتدابير المرافقة لها.
وتضطلع هذه الدوريات أيضا، بمهمة معاينة مدى احترام المحلات التجارية المسموح لها بالعمل في ظل هذا الظرف الاستثنائي بشروط السلامة الصحية، ومطابقة المواد الغذائية المعروضة لمعايير الجودة، فضلا عن مراقبة وضعية تموين السوق المحلية، على امتداد الشهر الفضيل ومع اقتراب العيد، الذي يعرف إقبالا على بعض المواد الاستهلاكية.
وبالمناسبة، أكد الفاعل الجمعوي وأحد ساكنة المدينة، عبد الرحمان سوسو، أنه "منذ الإعلان عن الحجر الصحي ببلادنا، في تاريخ 20 مارس الماضي، عاشت مدينة قلعة السراغنة أجواء طبعتها سمات ومواصفات الاستثناء في كل المجالات والأحوال، لاسيما أثناء شهر رمضان".
وأوضح السيد سوسو أن "هذه الأجواء اتسمت بالتزام الساكنة بالبقاء في البيوت، وهو ما أكسب المدينة خصوصية متميزة جعلتها في منأى كبير عن تداعيات هذا الوباء، حيث سجلت صفر حالة في أغلب الفترات الزمنية وجنوح الساكنة إلى الالتزام بالبيوت والالتزام بقواعد السلامة الصحية وكل أشكال التباعد الاجتماعي وعدم مغادرة البيوت إلا للضرورة القصوى".
وأشار إلى أن مدينة قلعة السراغنة، وعلى غرار المدن الأخرى، عرفت توقف مجموعة من الأنشطة الاقتصادية الأساسية لتقتصر فقط على الأنشطة ذات الطابع الاقتصادي الاستهلاكي اليومي من خضر وفواكه ولحوم وسمك، إضافة إلى المواد الغذائية الضرورية لدى فئة البقالة على وجه الخصوص.
وأضاف أن ساكنة المدينة عاشت، خلال شهر رمضان الحالي، "أجواء رمضانية مغايرة كليا لما ألفته منذ زمن قديم، حيث ترى المساجد مغلقة تنعدم معها كل الأجواء الروحانية التي تنبعث عادة من المساجد عبر التلاوات القرآنية للأئمة والفقهاء"، مسجلا توقف كل أشكال الزيارات العائلية وتقاسم لحظات الإفطار الجماعي الحميمية والمعتادة.
وأبرز الفاعل الجمعوي أن هذه الأجواء اتسمت أيضا، بتجند كل الأطر التربوية والإدارية المحلية في تقديم الحصص الدراسية عن بعد لفائدة التلاميذ، متوسلين بمجموعة من المسطحات والقنوات التواصلية المختلفة كمسطحة "تيمس" و"تلميذ تيس" وتطبيق التراسل الفوري "واتساب"، إضافة إلى تتبع التلاميذ للدروس عن بعد عبر مجموعة من القنوات التلفزية كالرابعة والرياضية والعيون والقناة الأولى.
وإذا كانت جائحة "كورونا" قد غيبت عادات وتقاليد رمضان عن سكان المدنية، فإن هذا الطارئ الصحي لم يمنع من بروز قيم التضامن والمواطنة والتكافل الاجتماعي التي تسم المجتمع السرغيني، باعتبارها قيما يتصف بها المغاربة قاطبة وتوحد لحمتهم في مثل هذه الظروف.
وأفاد السيد سوسو بأن "النسيج الجمعوي المحلي، انطلاقا من الانعكاسات السلبية الناجمة عن توقف مجموعة الأنشطة الاقتصادية اليومية التي كانت تزاولها فئة عريضة من الساكنة، نظم مجموعة من المبادرات التضامنية بعد أن تبدى له أنه هناك فئة كبيرة تعيش الضائقة والحاجة والعوز".
وأشار إلى أن "النسيج الجمعوي المحلي بادر، في هذا الصدد، إلى اتخاذ مجموعة من المبادرات التضامنية والتكافلية تخفيفا من المعاناة وإدخال البسمة على مجموعة من الأسر عبر توزيع كميات كبيرة من المواد الاستهلاكية الأساسية، مما ترك استحسانا وتثمينا من لدن كل المستفيدين والمتتبعين".
وأكد أنه "لا يختلف اثنان كون كل ساكنة مدينة قلعة السراغنة متطلعون وتواقون، بشكل كبير، إلى موعد رفع الحجر الصحي، ليتم استئناف أنشطتهم اليومية الطبيعية التي يكسبون عبرها ومن خلالها قوت أسرهم اليومي".
وخلص الفاعل الجمعوي إلى أن "هناك رغبة ملحة في العيش والتنعم بأجواء الحرية المعتادة، والتواصل مع المقربين والأصدقاء وزملاء العمل"، داعيا الساكنة السرغينية إلى "استجلاء الدروس والعبر من هذه المرحلة الاستثنائية استشرافا لأفق وغد باسم وواعد".
ومع انصرام شهر رمضان الفضيل، تتأهب مدينة قلعة السراغنة لاستقبال عيد الفطر، في ظل التزام ساكنتها بالصلاة في البيوت ووضع الكمامات الواقية واحترام التباعد الاجتماعي وغياب الزيارات بين الأهل والأحباب، ليحل هذا العيد الديني بدوره في ظروف استثنائية، فرضتها جائحة خلفت آلاف الوفيات حول العالم.
يذكر أن إقليم قلعة السراغنة أضحى خاليا من أية إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، منذ 12 ماي الجاري، ليعود الإقليم إلى صفر حالة، بعد أن بلغ العدد التراكمي للإصابات خمسة إصابات (أربع حالات شفاء وحالة وفاة واحدة).