وبمجرد دخولك "شارع العرب" في حي "نويكولن" بدءا من ساحة "هيرمان بلاتس"، يخيل إليك أنك في مدينة عربية وليس بالعاصمة الألمانية، حيث تلتقط أذنيك كلمات عربية وأنت بين المارة ذوي الملامح العربية، وتستنشق عبق البخور العربية التي تفوح من محلات تحمل أسماء عربية، وتشد انتباهك ديكورات المطاعم والمقاهي الشرقية، والمجازر الحلال ومحلات بيع الأزياء العربية والتحف والهدايا والحلويات الشرقية، وتجار التجزئة الذين يبيعون مواد غذائية وخضر وفواكه يتم استقدامها من بلدان عربية.
وهكذا، أضحى "شارع العرب" بكل مميزاته التي تعكس تنوع الثقافات العربية متنفسا لأفراد الجالية العربية والمسلمة، حيث يحد من وطأة شعورهم بالغربة ويتيح لهم الالتقاء ببعضهم البعض، فضلا عن كونه يشكل الوجهة المفضلة للتسوق، خاصة في المناسبات الدينية مثل رمضان والأعياد، والتي تتطلب تحضيرات خاصة حسب مختلف الجنسيات العربية.
كما تعود المسلمون أن يقصدو شارع العرب لأداء الصلاة في المسجد، وتبادل التهاني مع الأصدقاء واصطحاب أطفالهم وهم يرتدون ألبسة العيد الجديدة لحضور حفلات وتجمعات بمناسبة عيد الفطر.
غير أن تفشي وباء كورونا أفسد فرحة المسلمين بالعيد في "شارع العرب"، مع فرض تدابير التقليل من التجمعات والالتزام بمسافة التباعد، حيث لن يكون من الممكن أداء صلاة العيد في المساجد أو الساحات كما جرت العادة، أو الجلوس في المقاهي الشرقية لارتشاف الشاي أو القهوة العربية بكل أريحية وبدون قيود.
ويؤكد أبو يوسف، فلسطيني يعمل في مطعم سوري بـ "شارع العرب" في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن "كورونا أحدثت تغييرا كبيرا في شارع العرب الذي أصبح يخيم عليه الهدوء، من قبل كنا نشهد إقبالا كبيرا من قبل الأسر العربية خلال الإفطار أو العشاء".
ويضيف أن المطعم الذي يقدم مختلف الأطباق الشرقية إلى جانب شهرته بتحضير الحلويات بمناسبة رمضان والأعياد، خاصة "الكنافة النابلسية" والمشروبات مثل "الجلاب" وعصير التمر الهندي و"عرق السوس"، "تكبد خسائر كبيرة بسبب جائحة كورونا التي أدت إلى تراجع عدد الزبناء وأصبح يقتصر على تقديم الوجبات الجاهزة".
ويقول محمد الوهابي، خبير مغربي في مجال الهجرة والاندماج في تصريح مماثل "العيد يطرق أبوابنا هذه السنة في ظروف استثنائية في ظل أزمة كورونا التي تجتاح العالم. المغترب العربي يعاني الأمرين؛ مرارة البعد عن الأحباب والأهل ومرارة هذا الوباء الذي أحدث تغييرا جدريا في حياتنا الإجتماعية".
ويرى الوهابي الذي يعمل مسؤولا رياضيا في المنظمة الجهوية للرياضة في برلين "العيد لا يكتمل إلا بوجود العائلة وطقوسه وتبادل التهاني والتبريكات مع الأهل والجيران وصلاة العيد في الجماعة".
وأكد أن المسلم المغترب في ألمانيا هذه السنة مفروض عليه احترام شروط الوقاية من خلال التباعد الإجتماعي، مضيفا "كورونا سيحرمنا من عناق ومصافحة أصدقائنا من الجالية المغربية، والذين يمثلون لنا جزء من الوطن وصلاة العيد سوف تقام في المسجد تحت تدابير وقائية شديدة".
وأعرب عن أسفه إزاء هذه الظرفية الاستثنائية، قائلا "حتى محاولة زرع الفرح في أرواحنا من خلال تنظيم أنشطة واحتفالات بهذه المناسبة حرمنا منها".
من جانبه، لفت السيد عبد الصمد اليزيدي، الأمين العام للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، إلى أن عيد الفطر هذه السنة استثنائي بامتياز، مشيرا إلى أن المؤسسات الإسلامية في ألمانيا سوف تنظم صلاه عيد الفطر مع الحرص على تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي والنظافة.
وأضاف "نحن في المجلس بعد حوار عميق وتواصل مع الجهات الصحية الألمانية، ارتأينا أن لا ننصح بتنظيم صلاة العيد في المساجد، وأنما أن تصلي الأسر في المنازل وأن نركز في هذا اليوم على التواصل بدل التلاقي من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتهنئة الأحباب والأصدقاء".
وأكد على ضرورة أن تجرى الزيارات الأسرية في نطاق ضيق، بما تسمح به التخفيفات المطبقة على الحجر الصحي في السياق الألماني حسب الولايات.
وشدد على أن المسلمين أبانوا عن وعي كبير خلال رمضان، حيث جعلوا صحة الإنسان وسلامته من ضمن الأولويات فظلوا عاكفين على تقديم المساعدة مع احترام الشروط الوقائية، مشيرا إلى أنه كانت هناك إفطارات يتم توصيلها للبيوت المحتاجين ومبادرات لخياطة الكمامات وتوزيعها على دور العجزة، وغيرها من المبادرات الإنسانية التي تظهر روح التضامن والتكافل التي يرسخها الإسلام خلال الشهر الفضيل.
وكان الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير، قد أعرب في رسالة تهنئة بمناسبة اقتراب حلول عيد الفطر، عن شكره للمسلمين في ألمانيا على التزامهم بقيود مكافحة كورونا، متعهدا بالتصدي الحاسم للتحريض العنصري.
وقال شتاينماير "صلاة الجماعة والإفطار المشترك و(الاحتفال) بالعيد السعيد، لا يمكن القيام بها هذا العام، أو تقام على نطاق محدود جدا".
وأضاف هذه "التجربة المحزنة تقاسمها أيضا المسيحيون واليهود"، مؤكدا أن القانون الأساسي (الدستور) يضمن الحق في حرية الدين "ومع ذلك، كان من الضروري تقييد التجمعات مؤقتا لإنقاذ الأرواح".
ومع تخفيف قيود كورونا، سمحت ألمانيا بإعادة فتح المساجد لأداء الصلوات والمحلات التجارية الكبرى للتسوق لكن التواصل الاجتماعي وصلة الرحم والاحتفالات الجماعية التي تشكل أسس الاحتفال بالعيد، تغيب هذه السنة، مما يزيد من شعور الغربة والوحدة بين أفراد الجالية العربية.