وأضاف السيد كعيوا، في مقال تحليلي نشره "مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد" تحت عنوان "السكن الاجتماعي ومتطلبات الحجر الصحي من أجل صمود مجالي مستدام"، أن هذه الأزمة الصحية تسائل أيضا نموذج عيش الساكنة من خلال أشكال السكن المتاح وقدرته على التأقلم مع المستجدات، "بمعنى آخر، وعبر قطاع السكن، تسائل هذه الأزمة قدرة مدننا على الاستدامة والمواجهة والصمود أمام كل الطوارئ".
وأكد بهذا الخصوص أن السياسات العمومية ساهمت، بدون شك، في تحسين واقع السكن بالنسبة لعدد كبير من الأسر، غير أن الظروف التي يجتازها المغرب اليوم مثل باقي دول العالم بفعل هذه الأزمة الصحية، تفرض قراءة متأنية للمجهودات المبذولة في هذا المجال، واستخلاص الدروس فيما يتعلق بالنواقص والمتطلبات لمواجهة الطوارئ والأخطار.
وأبرز الخبير أن جائحة كورونا فرضت سلوكات جديدة على عادات الناس حماية للنفس وللآخرين من انتقال العدوى، وبالتالي أصبح الجميع منخرطا بين عشية وضحاها وبالرغم منه، في "نموذج جديد للعيش والتعايش"، برزت معه قضايا جديدة وطرحت أسئلة كثيرة لها ارتباط وثيق بالوضع الجديد، من ضمنها "قدرة فئات واسعة من السكان في بلدنا، على تحمل متطلبات الحجر الصحي في غياب المستلزمات المطلوبة للاستجابة لذلك. ويأتي على رأس هذه المستلزمات، السكن المناسب".
واستشهد في هذا الصدد، بالإحصائيات المتوفرة التي تشير إلى أن نسبة الأسر المغربية التي تقطن في سكن يصنف في خانة السكن الاجتماعي أو الاقتصادي، تتجاوز 60 في المائة، وهو سكن يستقطب فئات واسعة من السكان في المدن وضواحيها وحتى في القرى المجاورة لها، ذات دخل متوسط ومحدود، متسائلا بهذا الخصوص عما إذا كانت نماذج السكن الاجتماعي المتاح لغالبية الأسر تسمح باحترام الالتزام بالبقاء في البيوت وبقواعد النظافة والتباعد الاجتماعي دون معاناة ؟
ولأن السكن الاجتماعي يشكل إحدى أولويات السياسات العمومية، توقف السيد كعيوا عند العناية الكبيرة التي أولتها السلطات العمومية منذ الاستقلال وبالخصوص خلال العشرين سنة الماضية، لهذا النوع من السكن، بهدف تدارك الخصاص واستباق الحاجات المستقبلية نتيجة التزايد الديموغرافي والهجرة القروية وارتفاع حدة الضغط على المدن، مشيرا إلى أن المغرب تحول في ظرف زمني وجيز إلى بلد حضري بفعل تسارع وتيرة التمدن به، إذ تضاعفت ساكنة المدن ما بين 1960 و2014 ب6 مرات في الوقت الذي ارتفع عدد السكان الإجمالي ب3 مرات فقط، ومن المنتظر أن تحتضن المدن أكثر من 70 في المائة من الساكنة عند حلول 2030.
وبعدما وصف تجربة المغرب في مجال السكن بالغنية، أوضح السيد كعيوا في المقابل أنها خضعت، وفي كل الفترات، إلى ظرفيات اجتماعية وسياسية جعلت التدخلات العمومية رهينة للضغط الكمي دون الاهتمام بالبعد الكيفي المرتبط بالانعكاسات والآثار الناتجة عن ذلك، مشددا على أنه "حان الوقت لإخضاع هذه التجربة لتقييم علمي، من أجل إبراز كل الاختلالات، بعيدا عن أي ضغط، وذلك لتحديد الشروط الضرورية والممكنة للانتقال من أحياء وتجزئات للسكن فقط، متراصة بهوامش المدن، غير مستوفية للحد الأدنى من البنيات الحضرية نحو فضاءات حقيقية للعيش".
ويرى السيد كعيوا أنه في هذه المرحلة التي تتميز بالنقاش حول النموذج الجديد للتنمية، يحتاج المغرب إلى انطلاقة جديدة هدفها الأسمى وضع أسس الإدماج الفعلي للإنسان المغربي، والسكن هو منطلق هذا الإدماج، معبرا عن اعتقاده بأنه بالرغم من الإمكانات المالية والبشرية والتقنية المخصصة لها، لم تفلح برامج السكن في إحداث هذا الإدماج لأنها ظلت حبيسة المحاسبة الكمية ورهينة ندرة العقار وذلك بالرغم من توظيف 15 ألف هكتار من العقار العمومي في السكن الاجتماعي منذ 2003.
وخلص الخبير إلى أن هناك أربع قضايا كبرى تفرض نفسها عند مناقشة الواقع السكني ومقاربته في المغرب، أولها "نموذج السكن"، فقد أصبح ملحا فتح نقاش منتج حول طبيعة السكن الملائم لخصوصيات والحاجيات المتجددة للأسرة المغربية كمنطلق لبلورة كل سياسة تهدف إلى إنتاج السكن في المستقبل، وثانيها "المسألة العقارية"، حيث حان الوقت لاعتماد سياسة وطنية تعتبر العقار ثروة وطنية استراتيجية نادرة يجب تدبيرها بشكل معقلن ضمانا للنمو المستدام.
أما القضية الكبرى الثالثة، يضيف السيد عبد القادر كعيوا، فتتمثل في "التخطيط الحضري ومسألة الإدماج الاجتماعي"، فالتخطيط الحضري الناجح هو الذي يوفر أسباب الاندماج الاجتماعي والوظيفي في تطور المجالات، في حين تتعلق القضية الرابعة ب"الحكامة وإشكالية تدبير السياسات السكنية"، أي أن بناء إدارة ناجعة لإشكاليات السكن والإدماج الاجتماعي، تقتضي اليوم الانطلاق من التقييم الموضوعي والمسؤول للاختيارات الموضوعة، والدراسة المتأنية لآثارها المجالية ونتائجها الاجتماعية والاقتصادية والعمل على بلورة حلول وآليات مساعدة على التنفيذ.