وأوضح الأستاذ زاهيدي، الذي يشغل مهمة مستشار رئيس الحكومة المغربية في التربية الوطنية والتكوين المهني، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء أن كل التجارب الدولية لحد الآن متفقة على أن رفع الإجراءات الاحترازية للحجر الصحي، لا يعني نهائيا العودة السريعة إلى "الوضع العادي". فالأمر يحتاج الى إجراءات مواكبة، وإلى مزيد من الوقت لأن تلك العودة ستتم بالتدريج وفق إجراءات احترازية ووقائية صارمة.
وأشار في هذا السياق إلى أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "يونسكو" دعت الدول الى اتخاذ جميع التدابير والاحتياطات حتى تعود المنظومات التربوية الى وضعها العادي، وتكون قادرة على الاستجابة لحاجات كل التلميذات والتلاميذ بكيفية تتيح لهم التمتع بالحق في تربية جيدة ومنصفة، داخل مدرسة العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.
واعتبارا لذلك، شدد الخبير المغربي على أن المدرسة المغربية مطالبة، في مرحلة ما بعد الجائحة على الخصوص، ببذل الجهد كله لتكرس نفسها كمدرسة للمساواة وتكافؤ الفرص، والسعي بالتالي إلى الحيلولة دون وقوعها في فخ إعادة إنتاج العلاقات الاجتماعية القائمة، ومن تم تكريس تفاقم العجز التربوي عند فئة من التلاميذ والطلبة لأسباب غير تربوية ولا بيداغوجية، كما حذر في الوقت نفسه من تحول التوقف المؤقت عن التعلم داخل المدرسة الى توقف دائم عن الدراسة عند فئات عريضة من الطلبة والتلاميذ.
ولاحظ أن إعادة فتح المدارس لا يقل صعوبة عن إغلاقها، وعن تدبير مرحلة التعليم عن بعد. إذ من المحتمل جدا أن تتفاقم ظاهرة الانقطاع الدراسي بعد الحجر الصحي في صفوف عدد لا يستهان به من الطلبة والتلاميذ، خاصة في صفوف الفتيات، والفئات الهشة، أو التلاميذ والطلبة القاطنين في المناطق النائية، أو ذات الخصاص.
وإزاء هذه الوضعية، أكد الأستاذ زاهيدي على وجوب اعتماد خطة متكاملة لتدبير إعادة فتح المدارس، تضمن عودة جميع التلاميذ الى الفصول الدراسية دون استثناء. مشيرا إلى أن هذه الخطة تتمحور حول نقطتين رئيسيتين، هما التعبئة الاجتماعية لإنجاح العودة إلى المدرسة، ثم الدعم التربوي لتجاوز النقص وتقليص الفوارق في التعلمات التي حصلت بفعل التوقف الاضطراري المؤقت عن التعلم الحضوري.
وبخصوص التعبئة الاجتماعية من أجل العودة الشاملة للمدارس، أوضح أن الهدف منها هو الحيلولة دون تفاقم ظاهرة الانقطاع الدراسي بعد رفع الإجراءات الاحترازية للحجر الصحي، خاصة في صفوف الفتيات والأوساط الهشة والمناطق النائية، والمناطق ذات الخصاص التي من المحتمل أن يتحول فيها التوقف المؤقت عن الحضور في المدرسة الى توقف دائم.
وأضاف أن هذا الاحتمال وارد جدا، لا سيما وأنه تم التنبيه إليه من طرف منظمة "اليونسكو" ومن طرف كثير من الخبراء في السياسات التربوية، حيث شدد الخبير المغربي على ضرورة أن ينخرط في هذه التعبئة الاجتماعية المجتمع المدني النشيط في المجال التربوي والتكويني، وخاصة جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ والتلميذات، إلى جانب السلطات العمومية، فضلا عن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والبحث العلمي.
وأثار الأستاذ زاهيدي الانتباه إلى أن المساواة في الولوج الى المؤسسات التربوية التعليمية لا تعني بالضرورة تكافؤ الفرص، حيث عبر عن قلقه ـ شأنه في ذلك شأن عدد من المسؤولين التربويين ومن المنظمات الدولية والجهوية ـ من التفاوتات العميقة في التعلم التي قد تخلفها فترة الإغلاق المؤقت للمدارس، والناجمة عن كون التلاميذ والطلبة لم يتمتعوا جميعهم بنفس الإمكانيات المادية والشروط الاجتماعية للتكوين والتعلم خلال مرحلة الاغلاق، وهذا سيجعل عودتهم الى الأقسام، بعد هذه المرحلة الاستثنائية، ستصاحبه تفاوتات عميقة في المكتسبات، بل وحتى في الرغبة في التعلم، على حد قوله.
وتفاديا لهذه الوضعية التي لا تدعو للارتياح، أكد الخبير المغربي على أن المدرسة المغربية ينبغي لها أن تنهض بدورها الإدماجي ، ووظيفتها الحيوية في تعزيز التماسك المجتمعي، داعيا في هذا الصدد الى مساعدة التلاميذ والتلميذات على استئناف الدراسة في الدخول المدرسي القادم بحماس وبمكتسبات وتعلمات متقاربة، وذلك بتبني خطة للدعم التربوي والنفسي بمرحلة التعليم المدرسي(قبل الجامعي) تمتد طيلة النصف الأول من الأسدوس الأول.
وأشار إلى أن الهدف المتوخى تحقيقه من وراء ذلك هو الوصول إلى تحقيق "المدرسة الإنسانية" ، التي تعني المنظومة التربوية القائمة على تربية وتنمية الفرد بوصفه كائنا إنسانيا متعدد ومتكامل الأبعاد، وليس المنظومة القائمة فقط على الاستجابة للحاجات الملحة لعالم المقاولة والاقتصاد، أو ما ينعت بتنمية الموارد البشرية.
وأبرز أن هذه التربية " لن تتحقق الا بإنجاز ثورة عميقة تنقل التربية من التمركز حول الإنتاج، الى التمحور حول الانسان ذاته"، معتبرا أن مجمل المشاكل التي تشكو منها البشرية اليوم في مجالات البيئة، والسلام والاستقرار الدوليين، والأسرة، والتماسك الاجتماعي، وغيرها، ليست سوى نتائج لما تعرضت له إنسانية الانسان من تدمير وخراب، ولذلك كله أصبحت الحاجة اليوم ملحة الى تربية تمكن الكائن الإنساني من التصالح مع ذاته، ومن استرجاع كينونته وجوهره الإنساني المسلوب.
وذكر الأستاذ زاهيدي بأن جائحة كورونا التي حلت بالبشرية على حين غفلة أعطت البرهان على محورية القيم الجامعة في الصمود والمقاومة والحفاظ على الطمأنينة والاستقرار، بل وحتى التماسك والانخراط الجماعي في المعركة ضد الفيروس القاتل، مسجلا أن هذه القيم المتمثلة في التضامن والتراحم والتعاون والانضباط تجسدت في المجتمع المغربي من خلال الانخراط المنقطع النظير في التبرعات النقدية في صندوق تدبير جائحة كورونا الذي تأسس بتعليمات سامية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، وفي الحيوية والدينامية التي عبرت عنها العديد من هيئات المجتمع المدني في مختلف جهات المملكة، وكذلك في التجاوب الإيجابي العام مع الإجراءات الاحترازية والوقائية الصحية التي تبناها المغرب للحد من انتشار الوباء.
وخلص الخبير المغربي إلى القول بأنه لضمان رسوخ هذه القيم واستمرارها وسط الأجيال الناشئة ببلادنا، فلا بد أن تعتبر كواحدة من المكونات الرئيسة للمناهج التربوية في مختلف الأسلاك التعليمية، وأن تنال ما تستحق من العناية والاهتمام في تكامل مع الأدوار النبيلة الموكولة للأسرة، والمجتمع المدني، وباقي الفاعلين في حقل التربية والتكوين.