فالمشاهد الإنسانية للقاء الممرضين بأطفالهم بعد غياب أسابيع وأشهر قضوها إلى جانب المصابين، ونداءاتهم المؤثرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي "أن الزموا بيوتكم.. كي تساعدونا على تخطي الأزمة"، تجسد دونما الحاجة إلى كلمات، مدى التضحيات الجسام التي تقدمها هذه الفئة، والتي ستسجلها الإنسانية، لا محالة، بمداد من العرفان والامتنان.
ففي الحرب ضد "كورونا"، 80 بالمئة من العلاجات الموجهة للمرضى يقدمها، بحسب منظمة الصحة العالمية، الممرضون، ما يؤكد دورهم الأساسي في رحلة العلاج ويجعلهم، في ذات الآن، الفئة الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس.
الاحتفاء باليوم العالمي للممرض هذه السنة، والذي يصادف 12 ماي من كل سنة، لن يكون كمثله في السنوات الماضية، ففي الظروف الحالية وفي ظل انتشار جائحة "كورونا"، ستحتفظ ذاكرة العالم باستماتة هذه الفئة وبكل ما بذلته من جهد لتوفير العناية والرعاية الصحية المنشودة لملايين المرضى.
وفي هذا السياق، أعلن المجلس الدولي للممرضين والممرضات، أن ما لا يقل عن 90 ألفا من العاملين في المجال الصحي في شتى أنحاء العالم مصابون بفيروس (كوفيد-19)، وربما يكون هذا العدد مضاعفا، وسط تقارير عن استمرار النقص الحاصل في أدوات الحماية.
كما أوضح المجلس، في بيان له، أن عدد الوفيات جراء فيروس "كورونا" بين طواقم التمريض تجاوز 260 ألف وفاة، داعيا السلطات إلى توفير المزيد من الأدوات الوقائية لمنع انتشار الفيروس بين العاملين الصحيين والمرضى.
فيروس "كورونا" المستجد الذي أصاب العالم برمته، كشف أن الحاجة أصبحت ملحة لوضع قيم جديدة للمنظومة الصحية برمتها ولمهنة الممرض بوصفه عنصرا أساسيا لأي فريق طبي؛ وواقع الحال يؤكد أنه لا يمكن نهائيا ربح المعركة دون مساهمة الممرضين والممرضات الذين يتواجدون اليوم في الصفوف الأمامية في مواجهة هذه الجائحة.
مدير منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أكد أن "الممرضين والممرضات هم الركيزة الأساسية للأنظمة الصحية (...) واليوم، العديد من الممرضين والممرضات يجدون أنفسهم في طليعة التصدي لجائحة كوفيد-19".
بالمقابل، سجلت منظمة الصحة العالمية، في تقرير أصدرته في خضم أزمة فيروس "كورونا"، أن العالم يحتاج إلى قرابة ستة ملايين عامل إضافي في مجال التمريض.
وكشف التقرير، أيضا، عن وجود نحو 28 مليون ممرض وممرضة محترفين ممارسين في العالم. وبين 2014 و2018، وعلى الرغم من ارتفاع عددهم بنحو 4,7 ملايين ممرض وممرضة، إلا أنه "لا يزال هناك نقص بواقع 5,9 ملايين"، مبرزا أن هذا النقص يتركز خصوصا في أكثر الدول فقرا في إفريقيا وجنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية.
وفي المغرب الذي يخلد على غرار بقية دول العالم، اليوم العالمي للتمريض، وفي زمن الكورونا، تجند أصحاب الوزرات البيضاء لمكافحة هذه الجائحة، حيث يبذلون قصارى جهودهم لتقديم خدمات صحية شاملة وذات جودة عالية لمرضى "كوفيد-19".
وفي هذا الإطار، أكد العضو المؤسس للائتلاف من أجل الدفاع عن الحق في الصحة في المغرب، السيد رشيد القاطبي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الاحتفال بمهنة التمريض في زمن كورونا أصبح يوما استثنائيا "للجنود البيض" في مواجهة معركة حاسمة ضد "كوفيد 19"، مضيفا أن هذه الجائحة أفرزت حقائق جديدة، وأظهرت أبطالا حقيقيين كانوا يعملون في الخفاء وبنكران للذات، واليوم كشفت الظروف الاستثنائية لهذه الجائحة دورهم المحوري في استتباب الأمن الصحي.
كما أوضح السيد القاطبي، وهو أيضا عضو مؤسس للشبكة المغربية الأورومتوسطية للمنظمات غير الحكومية، أن جائحة فيروس "كورونا" أبانت، مجددا، أن الممرضين هم الركيزة الأساسية للمنظومة الصحية بالمغرب، مؤكدا أن المطالب الآنية والأساسية لإنصاف الممرضين والممرضات تتلخص في إحداث هيئة وطنية مهنية للممرضين والممرضات على غرار الهيئات الوطنية الأخرى، والتعويض المادي عن الأخطار المهنية، وإخراج قانون خاص متعلق بالقطاع الصحي.
كما توقف السيد القاطبي عند ضرورة العمل على تطوير العلوم المتخصصة في التمريض وتقنيات الصحة، ووضع أسس استراتيجية للتكوين والتكوين المستمر، وجعل البحث العلمي رافعة أساسية للنهوض بالعلوم التمريضية.
وإذا كانت الحرب ضد فيروس "كورونا" قد أبانت عن استماتة الممرضين والممرضات وتضحياتهم لتقديم رعاية صحية متكاملة للتخفيف من آلام المرضى، فإن هذه المعركة ستعبد، لا محالة الطريق، من أجل تحقيق مطالب الأطر الطبية الموازية، وتوفير الحماية الصحية لهم وتمكينهم من تكوين يساير التطور المتسارع الذي يعرفه قطاع الصحة.