1- ماهي القطاعات التي تحظى، في نظركم، بالأولوية في مرحلة الخروج التدريجي من جائحة فيروس كورونا (كوفيد 19) ؟
لابد من استحضار القطاعات الاقتصادية الأساسية التي بقيت تشتغل خلال هذه الظروف والتي تزود السوق المغربية بمجموعة من المواد، وهي قطاعات مضبوطة عند الحكومة بالنظر إلى مساهمتها في الاقتصاد الوطني خلال هذه الظروف العصيبة، بحيث تستوجب ضرورة الاهتمام بها ووضعها في القوائم الأولى من أجل منحها تحفيزات حتى يتم التخفيف مما قد تتأثر به بسبب هذه الجائحة.
كما يتعين إعادة النظر في القطاع غير المهيكل وضرورة إيلائه أهمية كبرى عن طريق هيكلته حتى ينخرط بشكل تدريجي في الاقتصاد المغربي، مع ضرورة السعي إلى تحقيق استقلالية الاقتصاد الوطني من خلال تشجيع الشباب والمقاولات الصغرى والمتوسطة على الاستثمار في بلدها وتنزيل البرامج التي تستهدف المقاولات الذاتية حتى لا نرهن اقتصادنا كليا بالاقتصاد العالمي وبالآثار الناجمة عن التقلبات الدولية، وبالتالي نحصنه بشكل أكبر عبر الاعتماد على الإمكانيات الذاتية، كي تتجنب بلادنا الآثار التي قد تسببها الصدمات الدولية.
في سياق متصل، يتعين إلزام البنوك بضرورة المساهمة في إنجاز مشاريع تنموية في محيط اشتغالها، بالنظر إلى الأرباح الكبرى التي تجنيها.
في الإطار ذاته، وبالنظر إلى كون القطاع الصحي من أولى الأولويات، لابد من إعادة النظر في منظومته كليا وجذريا مع تمكينه من الموارد المالية والبشرية الكافية والمؤهلة. ولعل الجميع قد أدرك أن "استمرارية الدول رهين بوجود قطاع صحي قوي قادر على مواجهة التحديات والأزمات كتلك التي نعيشها اليوم".
والشيء نفسه ينطبق على الجامعات والبحث العلمي، على اعتبار أن الدولة، والحكومة تحديدا، يتعين عليها النهوض بالبحث العلمي وتشجيعه باعتباره عصب التنمية.
2- - ما هي التدابير التي يتعين على السلطات اتخاذها لضمان انتقال مرن من مرحلة الحجر الصحي إلى الحياة الطبيعية؟
لا شك أن طريقة وكيفية انتشار وباء كورونا والنسب التي يعرفها المغرب من حيث الإصابات، إن على مستوى مجموع التراب الوطني أو على مستوى كل منطقة على حدة، تعد من بين المؤشرات الأساسية التي تعطي لنا السيناريو المفترض أخذه بعين الاعتبار للحديث عن الانتقال إلى الحياة الطبيعية والخروج من مرحلة الحجر.
لكن، بالرجوع إلى المرسوم بقانون المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها الصادر في 24 مارس 2020، نجده يؤكد في مادته الأولى على أن حالة الطوارئ الصحية يمكن أن يعلن عنها بأي جهة أو عمالة أو جماعة أو بكافة ربوع المملكة، مما يعني أنه حتى على مستوى إنهاء هذه الفترة يمكن سلوك نفس النهج الذي أورده المشرع، بحيث إذا تبين للسلطات العمومية المختصة بأن هناك مناطق، عمالة أو جهة أو جماعة لم تسجل بها أي حالة إصابة بالفيروس أو أنه انتشر فيها الوباء وتمت السيطرة عليه بشكل كلي، فيمكن أن يرفع عنها الحظر بشكل نهائي، والشيء نفسه بالنسبة لباقي مناطق المغرب، إلى حين عودة الحياة إلى طبيعتها الاعتيادية.
وهذا الأمر يتطلب في اعتقادي، لا محالة، تخطيطا زمنيا ومكانيا خلال الأسابيع القليلة المقبلة، لأنه يصعب الحديث عن الرجوع إلى الحياة الطبيعية في ظل المرحلة الحالية، وكيف ما كان الحال، لابد من تخطيط محكم لإعادة فتح المعامل والشركات بشكل تدريجي، بحيث يمكن للمعمل أن يعتمد التناوب في العمل ويستعين في وقت محدد بنصف العمال فقط، مع ضرورة احترام مسافة الأمان وارتداء الكمامات الواقية سواء داخل الشركات والمعامل، أو وسط الفضاءات العمومية.
3- ما نوعية المواكبة النفسية التي يجب توفيرها للأطفال في مرحلة ما بعد كورونا، حتى نخرجهم من الحالة التي هم عليها الآن؟
أرى أنه لابد من التركيز على تخصيص برامج في القنوات التلفزية والمحطات الإذاعية واستضافة أخصائيين في مجالات الدعم النفسي والمواكبة من أجل المساهمة في تخفيف الضغط النفسي الذي يعيشه الأطفال في منازلهم، سيما أنهم كانوا متعودين على الذهاب إلى المدارس وارتياد الفضاءات وممارسة الألعاب، ووجدوا نفسهم أمام واقع ومعطى جديد لم يألفوه من قبل.
من هذا المنطلق، يتعين مواكبة الأطفال عن طريق خبراء ومتخصصين في المجال، مع العمل على توفير بدائل أخرى لإخراجهم من العزلة التي يحسون بها، كما يتوجب على القطاعات الحكومية المكلفة بالثقافة والشباب والرياضة والتربية والتعليم السهر على تنظيم مسابقات ثقافية وورشات فنية لفائدة الناشئة.
من جهة أخرى، فالحكومة والجهات المختصة مدعوة إلى الاهتمام أكثر بالأسر الفقيرة وتمكين الأطفال المنحدرين من فئات معوزة من الاستفادة من المخيمات الصيفية لما لها من دور كبير في الترويح عن النفس واسترجاع الروح المعنوية للأطفال، بالإضافة إلى مواكبة أطفال العالم القروي تعليميا خلال الصيف، كي يتمكنوا من تدارك الدروس والمقررات التي فاتتهم خلال فترة الحجر الصحي.
كما بات من الضروري اعتماد الطرق التي أقرتها اليونسيف في هذا المجال، والتي تتجلى أساسا في مراقبة الأسر لسلوك الأطفال وتصرفاتهم اليومية، مع السهر على توفير الأجواء الملائمة لهم في المنازل وعدم تخويفهم من فيروس كورونا، والحرص على إخراجهم للتنزه في الفضاءات المخصصة لذلك، بشكل يضمن الحد الأدنى من التباعد الاجتماعي.
4- بالنظر إلى الأهمية الكبيرة التي يحظى بها القطاع الثقافي، ما أهم التدابير التي يتعين على السلطات المختصة القيام بها لعودة الحياة الى سابق عهدها في المجالات الثقافية؟
في اعتقادي، "حان الوقت لترشيد وتوجيه النفقات والاعتمادات التي كانت تصرف على بعض الأنشطة وتوجيهها إلى الأنشطة الثقافية التي تستهدف الأطفال والشباب كالجامعات الصيفية والملتقيات الثقافية والعلمية والتحسيسية والتواصلية، بالإضافة إلى تخصيص موارد هامة لدعم وتشجيع الجمعيات المهتمة بالتنشيط الثقافي والفني.
كما أنه يصعب في الوقت الراهن التكهن بالكيفية التي يمكن أن تعود بها الحياة الطبيعية في المجالات الثقافية إلى سابق عهدها بعد مرور هذه جائحة كوفيد 19.
5 - لعل جائحة كورونا كانت لها حسنات وفوائد عدة ستكون مفيدة من دون شك ويمكن استثمارها في المرحلة المقبلة، ترى ما هي الدروس المستفادة من الجائحة ؟
إن أول ما يسترعي الانتباه هو أن الشعب المغربي قاطبة أبان عن علو كعبه وتولد لديه إحساس حقيقي بخطورة هذا الوباء، إذ ساهم بشكل كبير في الكشف عما يتميز به كأمة واحدة، وذلك من خلال بروز قيم المسؤولية والتضامن والتآزر، وضبط النفس، والاصطفاف إلى جانب السلطات العمومية والتعاون معها، خصوصا في الشق المتعلق بالحملات التحسيسية والدعوة إلى التقيد والامتثال للقوانين والأوامر والقرارات والبلاغات التي تصدرها السلطات العمومية المختصة خلال هذه الفترة، وذلك وعيا منه بضرورة الخروح من هذه الجائحة بأقل الخسائر.
ثم لابد من التأكيد على أنه كنا في أمس الحاجة إلى آليات لتدبير المخاطر وإدارة الأزمات، إذ أبان التدبير اللحظي/ الفوري لهذه الظرفية "عن مجموعة من العوائق والإكراهات التي يجب العمل على تداركها في المستقبل والتعاطي معها بطريقة بشكل أفضل".
من جهة أخرى، فإن مسألة التأسيس لمجتمع رقمي واقع لا مفر منه، إذ حان الوقت لتكون لدينا حكومة إلكترونية، وإعادة النظر في الإطار الذي تشتغل فيه جل القطاعات، مع التعجيل بتفعيل وسائل التكنولوجيا الحديثة لضمان استمرارية المرافق العمومية.
من هذا المنطلق فإن رقمنة الولوج إلى الخدمات باتت أمرا ضروريا في الوقت الراهن، ليس فقط في هذه الظرفية التي تمر منها بلادنا التي شهدت اعتماد التعليم عن بعد، وفسح المجال لإمكانية تقديم الشكايات إلكترونيا لدى النيابات العامة وباقي الإدارات والمؤسسات..إلخ، بل حتى في الظروف العادية، كي يتسنى للجميع الاشتغال بطريقة إلكترونية، وهذا الأمر لن يتأتى إلا بمراجعة الترسانة القانونية كي تتمكن من مواكبة متطلبات الواقع الحالي.