وخلافا للأعوام الماضية، يقضي المسلمون والمغاربة المقيمون في البرازيل، شأنهم شأن باقي مسلمي دول المعمور، شهر رمضان الكريم لهذا العام في ظل تحد آخر يتمثل في تفشي فيروس كورونا المستجد وما رافقه من تدابير صارمة لوقف انتشاره.
وكان مسلمو البلد الجنوب أمريكي، المقدر عددهم بنحو 3 ملايين شخص، يجدون في اللقاءات والتجمعات بالمساجد ال 120، المنتشرة في مختلف أرجاء البلاد، وتقاسم موائد الإفطار الجماعي لحظة تخفف من وطأة الشعور بالغربة والبعد عن الوطن الأم.
إلا أن وباء كورونا أجبر هذه السنة ولايات البلاد ال 27 على اتخاذ حزمة من التدابير لوقف زحف كوفيد 19 شملت فرض التباعد الاجتماعي وإغلاق دور العبادة بما في ذلك المساجد بغرض وقف زحف الوباء.
وبما أن تقرب العبد من ربه ليس رهينا أو مرتبطا بالأماكن، فحتى هذه الظروف الاستثنائية لم تكن لتغير مما يحمله رمضان من نفحات الإيمان، ومن كونه أيضا شهرا موجبا للتفاني وفعل الخير والتضامن.
وليس هذا فحسب، فالإسلام أيضا دين يسر ولا مشقة في التكاليف الشرعية التي أمر بأدائها لاسيما وأن من المقاصد العليا للشريعة الحفاظ على النفس، وهي كلها أمور تجعل الزاد الروحي وسيلة المسلمين لتجاوز هذا الوباء.
إلا أن هذا لا يمنع من القول إن الوضع المتسم بجائحة كورونا يجعل مسلمي البرازيل وأمريكا الجنوبية بشكل عام يقضون رمضانا لم يقضوا مثله من قبل كما أكد ذلك الدكتور محسن بن موسى الحسني، رئيس المركز الإسلامي للدراسات والأبحاث الإسلامية.
وشدد الحسني في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء على ضرورة استفادة المسلمين من الجوانب الإيجابية لهذا الوضع الاستثنائي. إذ يمكنهم أداء الصلوات، بما في ذلك الصلوات الجماعية، في المنزل رفقة أفراد العائلة لأن الوباء "ليس عذرا يسقط القيام بواجباتنا" تجاه الله عز وجل.
وبرأي هذا الإمام المغربي، المقيم في البرازيل منذ أزيد من 25 عاما، فإن المصائب التي تسبب بها فيروس كورونا تقابلها فرص ولحظات للتأمل وتقوية الصلة بالله عز وجل.
وتابع السيد الحسني، الذي يشغل أيضا منصب رئيس رابطة علماء المسلمين بأمريكا اللاتينية، "يكفي التمعن في زيادة منسوب التضامن الذي غذته المآسي المرتبطة بكوفيد 19 لإدراك أن الوقت قد حان للتفاني والالتزام بفعل الخير ودفع الشر"، حاثا على التصدي لكل الأفعال التي من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الوضع مثل نشر المعلومات المضللة بشأن هذا الوباء.
وشدد في هذا الصدد على ضرورة استشارة هيئات علماء المسلمين الرسمية لمعرفة ما يوصي به الإسلام في مثل هذه الظروف وفقا للمذهب المالكي.
وفي السياق ذاته، ذكر مدير المنتدى الدولي للاتصال والحوار الحضاري بيسر وسماحة الإسلام في أوامره وأحكامه.
وأوضح أن الله عز وجل رحيم بعباده ورخص للمريض الإفطار حفاظا على حياته، وبالتالي "لا يجب على المسلمين الإلقاء بأنفسهم إلى التهلكة، لاسيما وأن هذا الوباء يمكن أن يكون قاتلا للأشخاص المعرضين للخطر".
كما أشار إلى أن "المسلمين مدعوون إلى احترام الإجراءات التي اتخذتها السلطات للحفاظ على سلامة وصحة المواطنين، وهي تدابير أوصى بها الإسلام أيضا مثل النظافة".
وفي السياق ذاته، أكد أن "المغرب أظهر، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أمير المؤمنين، عناية بصحة المواطنين وحرصا على قيم التضامن كما يتضح ذلك من خلال إحداث صندوق خاص لتدبير جائحة كورونا".
ومن جهة أخرى، سلط السيد الحسني الضوء على مختلف المبادرات التي تقوم بها الجمعيات الإسلامية والتي تعززت خلال شهر رمضان المبارك في المساجد والمراكز الإسلامية في جميع أنحاء البرازيل، مشيرا على وجه الخصوص إلى دعم صناعة المنتجات الحلال، وتوزيع وجبات الإفطار وجمع الزكاة لفائدة الفئات الأكثر هشاشة.
وهكذا، فإن المسلمين والمغاربة الذين يعيشون في البرازيل مدعوون لتجاوز هذا الوباء من خلال الالتزام المواطن والتقرب إلى الله عز وجل، والتضامن في ظل السياق الحالي غير المسبوق المتسم بانتشار فيروس كورونا، الذي يشكل تحديا للبشرية جمعاء.