وأبرز الأستاذ شعباني أن وقع هذا الوباء كان "قويا وخطيرا" في الآن نفسه، إذ استطاع أن يحدث خلخلة على مستويات مختلفة خاصة على المستوى النفسي والاجتماعي، مما يفرض توفير المواكبة والرعاية النفسية والاجتماعية للأطفال الصغار والمواطنين خلال وبعد جائحة كورونا.
ويرى الباحث شعباني، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه "ليس كل الآباء والأمهات مؤهلين لضمان أجواء الطمأنينة لأبنائهم إذا لم تعد الحياة إلى إيقاعها المعتاد سابقا وقبل الحجر الصحي المعمول به حاليا"، مؤكدا في هذا الصدد، على ضرورة اتخاذ التدابير المناسبة لدفع الناس للرجوع إلى الحياة العادية دون مخاوف ولا هواجس من أي نوع، وخاصة بالنسبة للأطفال.
وبالنسبة للباحث شعباني، فإن مسؤولية وضع هذه التدابير تقع على عاتق الدولة وعلى مؤسسات الإدماج الإجتماعي، وتضافر جهود كل المختصين والفاعلين كل في مجاله للتغلب على المتاعب النفسية بالأساس، "التي لا شك أنها أصابت العديد من الأطفال خلال هذه الفترة"، مؤكدا أن هذه العلمية "لن تكون سهلة ولكن مع تضافر الجهود والتعاون على ورش التربية والتوجيه سيتم تحقيق ما يبدو مستحيلا أو على الأقل صعبا".
وشدد، في هذا السياق، على أنه بات من الضروري انخراط الإعلام الرسمي والخاص في هذه العملية، والعمل على تكثيف البرامج التربوية والإرشادية التي تقوي مناعة الحصانة لدى الطفل والمواطن وتدفعها إلى التغلب على كل ما يحرك فيهم المخاوف ويعيد إليهم الثقة في النفس.
من جهة أخرى، يعتبر المتحدث أن وباء كورونا أظهر الكثير من الإيجابيات كانت مختفية في سلوكيات وممارسات الناس الاعتيادية، مردفا "أن هذه السلوكيات لم تكن تظهر بفعل طغيان التفاهة والضبابية والرغبة في طمس معالم الجدية والمعقول والوجه المشرق والحقيقي للمبدعين والأذكياء وعباقرة البلد في ميادين وتخصصات نادرة".
إذ بفضل الجائحة، يقول الباحث في علم الاجتماع، "تعرف المغاربة على عدد كبير من الباحثين الشباب، العاملين ليل نهار في مختبرات كبريات المعاهد العليا والجامعات في الداخل والخارج، من أجل الوصول لابتكار واختراع أدوات وأجهزة تساعد على مواجهة والقضاء على الجائحة، أو الحد من خطورة هذا الوباء الخطير، الذي يهدد حياة البشرية، ويثير الرعب والهلع في صفوف الأحياء على الكرة الأرضية".
فالوباء أوصل، أيضا، وفق شعباني، صور وتحركات الجمعيات والهيئات المدنية النشيطة التي تشتغل كل يوم وتتنقل بين أحياء المدن والقرى النائية بحثا عن المحتاجين وعن كل من يعاني من ضائقة العيش في هذا الظرف الصعب، وسلط الضوء على الحملات التطوعية والعمل المشترك في صفوف الشباب داخل المدن وفي القرى، محاولة منهم لاحتواء تداعيات هذه الجائحة.
كما أن الجائحة جعلت العديد من المغاربة يتابعون عبر مواقع التواصل الاجتماعي نصائح وتحليلات الأطباء حول المرض وتدقيقات علماء النفس الذين يبحثون ويكتبون ويقدمون الدعم النفسي الذي أصبح ضروريا في مثل هذه الظروف، فضلا عن انخراط علماء الاجتماع ورجال الدين والمتخصصين في علوم التغذية وتقوية المناعة، من خلال تقديم إرشادات وتوجيهات للمواطنين لإبعادهم عن الأخطار التي قد تهددهم، يتابع الاستاذ شعباني.
لذلك يبرز الباحث أن الاعتماد على تكنولوجيا الإعلام والاتصال، والاستفادة من قدراتها في كل مرافق الحياة، لا سيما في الاقتصاد والتجارة والخدمات والتعليم والإدارة لم يعد ترفا ولا من الكماليات القابلة للاستغناء عنها، مسجلا أن ما بعد كورونا، ستدخل حتما مجتمعات اليوم والغد مرغمة، إلى عصر الرقمنة والذكاء الصناعي، حيث باتت خدمات الأنترنيت أكثر إلحاحا وأهم ما يحرص عليه إنسان زمن كورونا.
ستدخل مجتمعات زمن كورونا، يقول شعباني، إلى عصر "الكل عن بعد": التعليم والتكوين عن بعد، والرياضة عن بعد، والتسوق عن بعد، وعقد الاجتماعات والندوات عن بعد، وجلسات البرلمانات عن بعد، والاتصال بالأهالي والأقارب والأصدقاء عن بعد، مشيرا إلى أن الثورة الرقمية بصدد توفير الحلول المناسبة لمجتمع الغد.
وأضاف أنه يتعين على الباحثين في علم الاجتماع، وعلم النفس الاجتماعي، والتاريخ والفلسفة والاقتصاد والعلوم القانونية، والبيولوجيا وعلوم الصحة والمرض، تحليل هذ المسار المتسارع، ووضع قوانين وتحديد قيم ومبادئ العصر الجديد التي أفرزتها هذه الجائحة بالتحديد، مفيدا بأن هذه مؤشرات واضحة تكشف عن معالم مجتمعات مختلفة عما ألفه الناس، مما يحتم الاستعداد للانتقال من العالم الواقعي المادي إلى العوالم الافتراضية.