وبحلول شهر رمضان، تبدو الجالية المسلمة الأكثر تأثرا بإغلاق أماكن العبادة في الولايات المتحدة بسبب جائحة كورونا، بالنظر إلى الأبعاد الدينية والروحية والاجتماعية التي يكتسيها الشهر الفضيل.
ويتعارض التباعد الاجتماعي والحجر الصحي مع جوهر شهر رمضان، الذي يؤكد على قيم لم الشمل وصلة الرحم ويشكل لحظة لنسج علاقات إنسانية واجتماعية جديدة.
وخلال رمضان هذه السنة يتعذر، للأسف، على الجالية المسلمة في الولايات المتحدة تقاسم وجبات الإفطار الجماعي والتردد على المساجد لأداء الصلوات الخمس والتراويح، لأن جميع الأمريكيين تقريبا يخضعون للحجر في منازلهم ولا يبرحونها إلا عند الضرورة القصوى أو للذهاب للعمل.
ويحاول أفراد الجالية المسلمة التأقلم مع الوضع الجديد، من منطلق إدراكهم لنصائح الرسول الكريم للتعامل مع فترات الوباء ولتعاليم الدين الإسلامي الحنيف التي تؤكد على أولوية حماية الحياة البشرية أمام أي اعتبار آخر.
ويؤكد الإمام محمد ماجد، العضو بإحدى الجمعيات الإسلامية بشمال فيرجينيا، على أن "حماية حياة الإنسان تمثل أولوية بالنسبة لدين الإسلام"، مبرزا أن هذا الوضع الاستثنائي "قد يكون فرصة لمراجعة الذات وتقوية علاقتنا بخالقنا".
وبدوره أعرب عبد الرحمن مورفي، وهو إمام في تكساس، في تصريح لمجلة "تايم"، عن أسفه لافتقاد "الحماس والسعادة" التي يخلقها المسجد، مشددا، مع ذلك، على أن الحجر الصحي يتيح فرصة مراجعة الذات وعيش "رمضان روحي داخلي"، من خلال التركيز على الصلوات وتلاوة ما تيسر من الذكر الحكيم.
من جهته، أشار خالد لطيف، وهو إمام يرأس المركز الإسلامي التابع لجامعة نيويورك، أنه على الرغم من أن المسلمين لا يمكنهم الصلاة جماعة في المساجد هذه السنة، هناك طرق عديدة لخدمة أفراد الجالية المسلمة، من خلال مساعدة الفقراء منهم، لاسيما أولئك الذين تأثروا بجائحة كورونا.
وقد عمدت العديد من المعاهد والمراكز الإسلامية إلى تكثيف برامجها على الإنترنت للتعامل مع هذا الوضع المستجد، مثل مركز "آدامز"، الذي ينظم سلسلة من المحاضرات عبر تقنية الفيديو وكذا دورات عبر الإنترنت موجهة لتعليم الأطفال والشباب على الخصوص.
وأشار الإمام محمد ماجد إلى أن المركز عقد قران خمس زيجات عن بعد، من خلال تطبيق "زوم" للتواصل بالفيديو، موضحا أن هذا القران يهم أزواجا سبق أن حضروا جلسات توجيهية لما قبل الزواج ومعروفين لدى مسؤولي المركز.
وبالنسبة للمسيحيين، وباستثناءات قليلة، تقدم معظم الكنائس خدمات عبر الإنترنت. ففي ماسيتشوستس وجدت كنيسة طريقة للتغلب على مشكل إغلاق دور العبادة، حيث تتيح القيام بطقوس "الاعتراف" من على متن السيارة لكاهن يصادفه السائق الراغب في الثوبة في الطريق.
وتقدم كنيسة أخرى في أرونديل، بالقرب من واشنطن، تجمعات على متن السيارات، حيث يلقي القس مات أوسدال عظته من شرفة الكنيسة بينما يستمع إليه الناس من خلال راديو سياراتهم.
ولا يختلف الوضع بالنسبة لليهود. فكما هو الحال في الإسلام، تؤكد اليهودية على مبدأ الحفاظ على الحياة البشرية وتقدمه على جميع الاعتبارات الأخرى.
وأمام هذا الوضع غير المسبوق الذي خلقته جائحة كورونا، يطلب الحاخامات في جميع أنحاء البلاد من أعضاء الجالية اليهودية عدم التجمع للاحتفال بالسبت اليهودي، لتفادي تفشي المرض.
وتقدم العديد من المعابد اليهودية خدماتها عبر الإنترنت، وهو حال كنيس "وايوميسينغ" في بنسلفانيا الذي يقدم للمؤمنين إمكانية متابعة خدمات مساء الجمعة وصباح السبت مباشرة أو بعد تسجيلها وطرحها في قناة بموقع يوتوب.
ولا شك أن هذه الظروف العصيبة التي تجتازها الإنسانية بسبب جائحة كورونا تصبح أكثر صعوبة عندما يفتقد الأشخاص الطمأنينة والدفء الذي تبعثه في نفوسهم أماكن العبادة والتواصل مع الآخرين.