فمع التغير الذي طال أنماط الحياة وعادات الاستهلاك، أضحى الناس يهتمون أكثر بحاجيات البقاء. أما الزهور، فقد أصبحت طي النسيان.
وعلى غرار الأنشطة الأخرى التي تعاني تحت وطأة هذه الأزمة، انهار سوق الزهور الأوروبي على نحو قاس، مسجلا في غضون بضعة أسابيع خسائر ضخمة.
وبعد أن وجدوا أنفسهم مضطرين لإغلاق محلاتهم، خلال فترة الحجر الشامل التي تفرضها معظم الدول الأوروبية لكبح جماح الفيروس، مر باعة الزهور لتدمير مخزونهم والألم يعتصر قلوبهم. الأمر نفسه بالنسبة للبستانيين الذين لم يعد أمامهم سوى معاينة مدى الضرر الذي يتكبدونه، في الوقت الذي لم يعد فيه أحد يقتني أزهارهم.
وبالنسبة لهولندا، أكبر منتج للزهور في أوروبا، فقد تضررت بشدة جراء هذه الأزمة.
وقد تأثر سوق الزهور ألسمير، أحد مراكز صناعة الزهور على الصعيد العالمي، والواقع في المقاطعة الهولندية التي تحمل نفس الإسم، بشكل خاص، جراء هذه الجائحة.
ويؤكد العملاق الهولندي لزراعة الزهور، التعاونية الملكية "فلوراهولاند"، الأكبر على المستوى العالمي، والتي تعمل كل سنة على تسويق نحو 12,1 مليارا من الزهور والنباتات من 30 ألف صنف في هذا السوق، أنه يواجه وضعية "دراماتيكية".
ويقول ستيفن فان شيلفغارد، المدير العام لـ "روايال فلوراهولاند"، الذي يتوقع تدمير جزء كبير من الإنتاج، إن "وضعية السوق دراماتيكية. لقد كانت أسعار الأسبوعين الأخيرين أقل بـ 50 في المائة عما هو معتاد".
وبالنسبة له، فإنه ومع اقتراب الأيام الجميلة للربيع وعيد الأمهات، تأتي هذه الأزمة "في وقت سيء للغاية".
وأوضح السيد فان شيلفغارد أن "الرقم المعتاد خلال هذه الفترة هو ما بين 150 و200 مليون يورو في الأسبوع"، مشيرا إلى أنه من دون قروض استعجالية ممنوحة من طرف الحكومة والأبناك وأشكال أخرى للدعم المالي، ستنهار العديد من المقاولات قريبا.
وأضاف أن "هذا الأمر لم يسبق أن حدث بهذه الكيفية في تاريخ التعاونية منذ أزيد من 100 عام. والآن فإن استمرار العديد من المقاولات، ومزارعي الزهور والتجار أضحت على المحك.
وأكد فان شيلفغارد أن "رويال فلوراهولاند"، باعتبارها تعاونية للمنتجين، تعمل كل ما في وسعها من أجل دعم المنتجين والشركات التجارية، غير أن القطاع "ليست لديه الوسائل التي تعينه على مواجهة هذه الأزمة".
وحذر من أن جائحة وباء فيروس كورونا، قد تجعل صناعة الزهور تصاب بخسائر "غير قابلة للترميم".
والواضح أن هذا الوضع ستترتب عنه تداعيات اقتصادية كبرى بالنسبة لبلاد، التي تمثل زهاء نصف التجارة العالمية لمنتوجات زراعة الزهور.
ويوظف قطاع الأزهار في هولندا، الذي يعد الثالث في البلاد من حيث الصادرات، بما يقارب 6,2 مليار يورو، نحو 150 ألف شخص.
ومن بين التداعيات الأخرى الكبرى لأزمة وباء فيروس كورونا على قطاع الزهور الهولندي: إغلاق أبواب حديقة الزهور الشهيرة "كوكنهوف" في وجه العموم.
وتشكل هذه الحديقة التي تقع جنوب أمستردام في وسط حقول أزهار التوليب المترامية على مد البصر، واجهة لزراعة للزهور الهولندية.
ومن خلال جذب نحو 1,5 مليون زائر من مختلف بقاع العالم كل سنة، تولد حديقة الأزهار لكوكنهوف عائدات اقتصادية تقدر بـ 325 مليون يورو.
وقال المسؤولون عن هذا المنتزه "حقيقة أن كوكينهوف لن يفتح أبوابه هذا العام سيكون له تأثير مالي كبير. لن تكون هناك عائدات في الوقت الذي تم فيه صرف غالبية الالتزامات المالية"، موضحين أن الأضرار الناجمة عن وباء فيروس كورونا لا تمس فقط صناعة الزهور، لكن أيضا قطاعي السياحة والنقل.
وينتظر البستانيون الهولنديون والأوروبيون، الذين يسوئهم المصير الحزين الذي لاقته زهور الأقحوان، والنرجس، والزنابق وأزهار التوليب التي يقومون بزراعتها، بفارغ الصبر، نهاية هذه الأزمة وهم على أمل رؤية نشاطهم يزهر من جديد.