ويرى خبراء الصحة أن سرعة تحرك السلطات الصينية لاحتواء الفيروس، من خلال إغلاق مقاطعة خوبي ومدنها التي تأوي قرابة 55 مليون نسمة، وبمساحة تعادل مساحة فرنسا، ناهيك عن فرض قيود على حركة التنقل وشل معظم القطاعات الانتاجية، ساهم في السيطرة على الوباء، مستفيدة من التجربة التي اكتسبتها البلاد في مكافحة فيروس "سارس" عام 2002 والأوبئة الأخرى الحديثة.
ولم تسجل الصين سوى حالة إصابة واحدة محلية المصدر في الأيام الخمسة الأخيرة، ما دفع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم إلى التأكيد أن تجربة مدينة ووهان الصينية التي انطلق منها الفيروس، تمثل "بارقة أمل للعالم".
وأقدمت السلطات الصينية، الاسبوع الماضي، على إغلاق المستشفيات المؤقتة لمعالجة الفيروس في ووهان بسبب تراجع عدد المرضى، وتخفيف بعض القيود المفروضة على الحجر الصحي في المدينة ومقاطعة خوبي. وهناك إجماع على أن تدابيرها غير المسبوقة غيرت اتجاه الوباء.
وقال تشونغ نان شان، وهو عالم أوبئة صيني بارز ، إنه "بدون تدخل قوي من السلطات المعنية لم يكن ممكنا احتواء فيروس كوفيد-19".
وأضاف تشونغ، في مؤتمر صحفي، "أعتقد أنه يتعين على العديد من بلدان العالم الموبوءة أن تنتهج أساليب العمل ذاتها وتعتمد آلية التدخل الصينية"، مبرزا أن "السيطرة على المنبع أسلوب قديم ولكنه فعال".
وأكد أن آلية التدخل هذه تنصب على أربع نقط أساسية تتمثل في "الوقاية المبكرة، والكشف المبكر، والتشخيص المبكر، والحجر الصحي المبكر".
وقال تشونغ "أنا لا أدعي أن أسلوب تعامل الصين مع الوباء هي الطريقة المثلى والوحيدة، فالوضع يختلف من بلد إلى آخر"، مضيفا أن بلاده "دفعت ثمنا اقتصاديا باهظا للحفاظ على صحة مواطنيها".
وبينما استقر مجموع حالات الإصابة بفيروس "كورونا" في الصين في 81093 حالة وعدد الوفيات في 3270، ارتفع عدد الوفيات في باقي دول العالم بسبب هذا المرض القاتل إلى حوالي 11313 شخصا، فيما أصيب أكثر من 250 ألفا بالفيروس (خارج الصين) وفق أحدث بيانات منظمة الصحة العالمية، التي أكدت انتقال مركز الوباء إلى أوروبا في ظل تنامي حالات الإصابة والوفيات في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبلدان أخرى.
كما أنها المرة الأولى التي لم تسجل فيها مقاطعة خوبي، حيث تم رصد الفيروس لأول مرة، أي حالات جديدة لا محليا ولا من خارج الصين، لخمسة أيام متتالية. وتتناقض هذه الأرقام بشكل صارخ مع الوضع في بلدان أخرى وخاصة في أوروبا والولايات المتحدة حيث تتسارع وتيرة انتشار الفيروس.
لكن خبراء علم الأوبئة حذروا من أنه من السابق لأوانه إعلان النصر في الصين، في الوقت الذي ما تزال فيه حالات الإصابة الوافدة على البلاد من الخارج تشكل تهديدا حقيقيا قد تؤدي إلى تفشي موجة ثانية من الاصابات، في ظل ارتفاع عدد هذه الحالات إلى 353 حالة اليوم الاثنين.
وقال مي فنغ المتحدث باسم لجنة الصحة الوطنية إن الحالات الوافدة على البلاد تمثل حوالي 85 في المائة من الاصابات الجديدة في الصين خلال الأيام السبعة الماضية، داعيا إلى ضرورة تشديد الرقابة على الحدود .
وكإجراء احترازي، أعلنت الحكومة الصينية عن تحويل وجهة بعض الرحلات الدولية المتجهة إلى بكين نحو تيانجين ومنغوليا الداخلية لتجنب المزيد من انتشار حالات الإصابة بالفيروس في العاصمة.
ويؤكد هذا التفاؤل الحذر مخاوف خبراء الصحة بشأن ما إذا كانت البيانات عن الوضع الوبائي في البلاد تعكس الصورة الحقيقية لتطور الفيروس. ويرون أن ارتفاع معدل الاصابة دون ظهور أعراض مرض "كوفيد-19" يشكل أحد هذه الأسباب، محذرين من أنه قد يكون هناك أفراد مصابون "يحملون فيروسا صامتا"، لكن لم يتم إدراجهم في الخانة الرسمية للإصابات المؤكدة علما أنهم مازالوا قادرين على نقل العدوى.
ويقدر عدد الذين أثبتت نتائج التشخيص إيجابيتهم لمرض "كوفيد 19"، دون ظهور أعراض فورية، بأكثر من 43 ألف شخص بحلول نهاية فبراير، وتم فرض الحجر الصحي عليهم.
وفي هذا الصدد، قال عالم الفيروسات جيريمي روسمان من جامعة "كنت" البريطانية إن الصين "لا تزال معرضة لخطر الموجة الثانية من حالات الإصابة بفيروس (كوفيد-19) على الرغم من تسجيل حالة إصابة محلية المصدر في الأيام الخمسة الأخيرة".
وأشار روسمان إلى احتمال تطور الفيروس ليصبح أكثر شراسة العام القادم، على غرار ما حدث مع جائحة الإنفلونزا الإسبانية، التي اختفت في موسم الصيف لتعود في الخريف والشتاء حاصدة أرواح الملايين.
وأكد، في تصريحات أوردتها صحف محلية، "أهمية قيام الصين بعمليات اختبار وفحص دقيقة ومستمرة في جميع أنحاء البلاد للقضاء على آخر جيوب العدوى"، مضيفا أن الأنباء عن عدم تسجيل إصابات محلية المصدر "مثيرة لكنها تحتاج الى التعامل معها بحذر شديد".
وتجاوز عدد الإصابات المؤكدة في الصين وبلدان آسيا 95 ألف شخص، أي ما يوازي ثلث الإصابات المسجلة في العالم. وباتت سلطات هذه البلدان التي كانت تبدو أقرب إلى السيطرة على الوباء، تواجه موجة ثانية من الإصابات مرتبطة أساسا بالأفراد القادمين من الخارج.
أما شي تشن، وهو أستاذ مساعد في جامعة "ييل" للصحة العمومية، فاعتبر أن المصابين بالفيروس، الذين لا يظهرون أية أعراض يشكلون "مصدر قلق بالغ".
وقال، في تصريحات أوردتها صحيفة "شنغهاي ديلي"، إن "80 في المائة من الحالات لا تظهر عليها أعراض الإصابة، ومن ثم فإن الإعلان عن عدم تسجيل أية إصابة يشكل علامة فارقة، ولكنه لا يفيد بنهاية الوباء في الصين"، داعيا إلى تشديد المراقبة الدقيقة في الأسابيع المقبلة.
لقد شكك خبراء في دقة البيانات الرسمية للصين التي تسببت، في الماضي، في حدوث ارتباك جراء التغيير المتكرر في معايير التشخيص. كما تساءل البعض عن كيفية تعامل السلطات الصينية المختصة مع الحالات التي لا تظهر عليها أعراض. فاللجنة الوطنية للصحة تستثني المرضى الذين ثبت إصابتهم بالفيروس ولكن لا تظهر عليهم أي أعراض، من القائمة الرسمية للحالات المؤكدة، على الرغم من أنها ترصد تلك الحالات وتطورها عن كثب.
ورغم هذه التساؤلات المشروعة، إلا أن خبراء الصحة يختلفون بشأن مدى مساهمة هذه الفئة من المصابين، الحاملين للفيروس في صمت دون إظهار أي أعراض، في نقل العدوى، لكنهم يوصون السلطات الصينية بعدم رفع قيود الحجر الصحي الصارمة المفروضة منذ يناير الماضي إلى حين الحصول على لقاح للوباء.
إن النجاح الذي تحقق في الصين حتى الآن يؤكد أنها تعلمت من دروس الماضي في مكافحة الأوبئة، وخاصة فيروس متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد، "سارس"، الذي أودى بحياة قرابة 800 شخص، وإصابة أزيد من 8 آلاف شخص، وتسبب في حالة من الذعر العام وكساد اقتصادي عالمي خانق.