وتناول الخطيب ٬ في خطبتي الجمعة ٬ موضوع الإصلاح المرتكز على التوبة والطهارة ٬ حيث أوضح أن هذا الإصلاح سواء كان فردياً أو اجتماعياً توجه أسسه بعض المفاهيم الشرعية الأصيلة٬ ومنها مفهوما التوبة والطهارة ٬ مذكرا بأن الله تعالى أمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قائلا: "يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر".
فمن تأمل بعين بصيرته٬ يضيف الخطيب ٬ وجد أمر الدين كله دائرا على مفهوم الطهارة والطهر ٬ موضحا أن الطهارة نوعان: حسية ومعنوية٬ فأما الحسية فهي التنزه عن كل الأوساخ والمستقذرات التي ينفر منها الشرع والطبع معا٬ في حين أن الطهارة المعنوية تنقسم إلى قسمين: ظاهرة وباطنة. فالظاهرة ما أمر الشرع به من رفع الأحداث وضوءا وغسلا٬ والباطنة ما أمر الله به من التنزه عن الأخلاق الذميمة والرجوع عن المعاصي إلى الطاعة بالتوبة٬ وجعل الله كلا الأمرين سبباً لمحبته .
وقال إنه إذا كانت الصلاة وما في حكمها من عبادات لا تصح إلا بطهارة ظاهرة ٬ فكذلك الأعمال لا تخلص لله إلا بطهارة باطنة٬ مؤكدا أن التوبة واجبة على كل فرد وأنها لا تنقطع أبدا بحيث كلما رجع الإنسان إلى ربه تائبا تلقاه المولى الكريم مثيبا ٬ مبرزا أن الله تعالى فتح باب التوبة لعباده على مصراعيه٬ فكلما طرقه طارق٬
بصدق ٬ فتح الله له وقبله٬ فالذي يميز التائب عن غير التائب أن الذي يذنب ويتوب يكون ذاكرا الله مستحضرا عظمته عارفا ومقرا بقدرة الله عليه .
وذكر بأن الله لا يحب إلا الصالحين من عباده لأنهم هم المصلحون الذين أينما وجدوا صدر عنهم الإصلاح٬ فتصلح دنياهم وأخراهم ويصلح الله بهم وعلى يدهم٬ مبينا أن التوبة ٬ التي هي طهارة باطنة بعد الطهارة الظاهرة ٬ أمر محوري في حياة المؤمن وبه علاج معظم الآفات ومظاهر المخالفات في حياة الفرد التي تنعكس قطعاً على حياة الجماعة. وقال إن المؤمن لو كان مستحضرا لهذا المعنى٬ أي الحرص على التوبة وطهارة الباطن٬ لكان ضميره مستيقظاً يحاسب نفسه على كل صغيرة وكبيرة٬ ويكون بالتالي مواطنا صالحا لبلده وأمته وللإنسانية جمعاء.
كما أوضح الخطيب أن الطهارة بمفهومها الواسع الشامل المذكور تنتج محبة الله للعبد ٬ فالطهارة الحسية وسيلة لتحقيق غاية عظيمة جليلة هي الطهارة المعنوية الباطنة ٬ مبرزا أن الله جعل لهذه الطهارة أحكاماً تتماشى مع المقاصد الكبرى لهذه العبادة ٬ فأمر المؤمنين ٬ عند وضوئهم واغتسالهم ٬ بالاقتصار على أقل قدر يحصل به المراد من الماء٬ كما رفع الله الحرج ورخص في التطهر بغير الماء إن فقد أو تعذر استعماله٬ وذلك بالاقتصار على طهارة ترابية تحقق هذه الرمزية الظاهرة الحاملة على الغاية الباطنة المتمثلة في التخلق بأرفع الأخلاق.
وابتهل الخطيب ٬ في الختام ٬ إلى الله عز وجل بأن ينصر أمير المؤمنين وحامي حمى هذا البلد الأمين٬ صاحب الجلالة الملك محمد السادس٬نصرا عزيزا يعز به الدين ويعلي به راية الإسلام والمسلمين٬ وبأن يحفظه في ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن ويشد أزر جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد وسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة.
كما تضرع إلى العلي القدير بأن يتغمد برحمته الواسعة جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني ويكرم مثواهما.