وأكد الخطيب في مستهل خطبتي الجمعة على أهمية المسؤولية الفردية عن الحياة وعن الكسب فيها من خلال أربعة أمور أكرم الله بها الإنسان، وهي أمانة إئتمنه عليها بمجرد بلوغه سن التكليف، أولها الزمن الذي نقضيه في الدنيا وهو عمر كل واحد منا، والعمر نفنيه كل يوم، فمن لم يغتنم فرص العمر بشهوره وأيامه وساعاته ودقائقه، ضاع منه وندم عليه، لأن العمر يفنى وليس بمقدور صاحبه أن يوقفه.
وثاني هذه الأمور التي سيسأل عليها الله عبده، الجسد الذي يبلى بفناء العمر، والجسد وسيلة الخير كله من عبادة وإسداء معروف وسعي وتسابق إلى الخيرات، فيما يتمثل الأمر الثالث الذي يصاحب العمر والجسد في العلم ، الذي هو نعمة من نعم الله الكبرى على الإنسان، به تتم الهداية وتستثمر الأرض وتعالج الآلام وتتيسر الصعاب.
وأوضح الخطيب أن العلم يمكن أن يستعمل في الخير كما يمكن أن يسخر في الشر، ولذلك وجب وضع العلم في موضعه من الاستعمال في الخير، وإلا وقعت محاسبتنا عليه.
وأبرز أن الإسلام وضع مبدأ المسؤولية عن استعمال العلم، وهي قضية تأخذ في عصرنا هذا أبعادها المرتبطة بمصير الإنسانية مع ما يتم من اختراعات.
أما الأمر الرابع الذي سيسأل عنه العبد فهو المال الذي هو نعمة أخرى من نعم الله الكبرى، تستوجب الشكر ومسؤولية الإنسان عن المال مسؤوليتان، مسؤولية تتعلق بالوجه الذي اكتسب فيه، إذ أن المال المعتبر هو الذي يحصله صاحبه من وجوه الحلال، أما المسؤولية الثانية المتعلقة بالمال بعد كسبه من الحلال، فهي مسؤولية إنفاقه في ما ينفع الناس، وذلك بتجنب تبذيره وعدم بذله في ما هو شر أو حرام.
وشدد الخطيب على أن الحياة تقاس وتصان أمانتها بهذه المعايير، وكل شخص قضى وجاء أجله إلا وبدا في مسار حياته مدى استجابته لهذه المعايير. وعظماء الناس إنما يذكرون ويشكرون وينفع الله بإسوتهم والاقتداء بهم، إذا كانوا على هذه السبيل القويمة والسيرة الحكيمة.
وذكر بأن الأجل المحتوم وافى، في هذا الأسبوع، صاحبة السمو الملكي الأميرة للاعائشة، مشيرا إلى أن المغاربة، إذ يستعرضون حياة الأميرة الفقيدة، يجدونها حافلة بالريادة التي أثمرت جميل الاقتداء، وكذلك أرادها وعلى هذا المنهاج رباها ووجهها والدها المغفور له محمد بن يوسف، في وقت خطط فيه لنهضة المغرب الحديث من أجل تحقيق الاستقلال أولا والنهضة العصرية ثانيا.
وكان لا بد من النهوض بشقي المجتمع معا، الرجال والنساء، ولما كان المثال الحي المعيش هو الذي يؤثر في النفوس ويصح به الاتباع، فإن الأميرة للا عائشة هي التي قامت بأعباء هذه الحياة النموذجية بالنسبة للمرأة المغربية في تحررها المحافظ على الثوابت وفي تعلمها وثقافتها وفي شجاعتها الأدبية والسياسية وفي نضالها منذ بدايات شبابها.
وأشار إلى أن الأميرة الفقيدة كانت نبراسا مضيئا للمرأة المغربية في ليل الاستعمار ، فجاءت أعمال حياتها مستجيبة لطموحها المترجم لطموح والدها على وفق ما كان ينبغي أن تكون عليه نهضة المغرب، متساوية منسجمة تشاركية بين الرجل والمرأة، إذ أنه، ومنذ صدعت سموها بتلك المبادئ النهضوية الشهيرة في خطاب طنجة عام 1947 ، توالى إنشاء الجمعيات النسوية استلهاما من دعوتها، وتوالى فتح المدارس للبنات باسمها، فكانت رحمها الله عنوانا لنهضة نسوية متواصلة.
وذكر الخطيب بالحديث النبوي الشريف " لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس"، مؤكدا أن سمو الأميرة للا عائشة "هدى الله بها أمة كاملة في شأن خطير من شؤونها، ألا وهو تحرير المرأة من العوائد السلبية ومن سلاسل الجهل والتخلف، والدليل على ذلك أن ما نراه من تميز نهضة المغرب، في ما تحقق للمرأة في حقوقها، وإسهامها في بناء المغرب اليوم، إنما بدأ بمبادرة الأميرة للا عائشة رحمها الله".
وأكد الخطيب أن الإسلام ساوى بين المرأة والرجل بشكل تام لأن الأمة الإسلامية هي أحوج ما تكون إلى جميع أبنائها وبناتها للنهوض بوظيفة عمارة الأرض وإثبات وجودها، مشيرا في هذا الصدد إلى أن عددا من النقائص التي تتهم بها المرأة المسلمة إنما مرجعها إلى العادة لا إلى العبادة، وإلى المجتمع لا إلى الدين وأحكامه.
ودعا الخطيب، في السياق ذاته، إلى التمييز بين بعض العوائد المنتقصة من حق المرأة وبين ما هو تكريم لها على أساس من الكتاب والسنة.
وتضرع الخطيب، في الختام، إلى الله عز وجل بأن يحفظ أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، حامي حمى الملة والدين، وبأن ينصره نصرا يعز به الدين، ويجمع به كلمة المسلمين، وبأن يقر عين جلالته بولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن وكافة أفراد الأسرة الملكية الشريفة.